العاصفة الثلجية جنى تكشف عن المزيد من المتخلفين أخلاقياً
سبحان الله كم من عقل وفؤاد منكوس
وصاحبه لا يشعر.
مثلما تكشف العواصف الثلجية
عن سوء البنى التحتية في البلاد، فإنها تكشف أيضاً عن سوء الأخلاق وعن المزيد من
المتخلفين أخلاقياً، ممن تنعدم لديهم السلوكيات الحضارية في التعامل مع الآخرين
خاصةً في الشارع.
مشاهد تتكرر في كل عاصفة
ثلجية بذات التفاصيل المقيتة والسخيفة في آن واحد، أبطالها شخصيات صفيقة من تلك
الفئة المتخلفة أخلاقياً، فترى في مشهد الشخصية غير المبالية بالآخرين،
يأتيك فيه سائق مسرع فوق برك مياه الأمطار المتجمعة في الشوارع بسبب سوء التصريف ليرشق
المارة من الواقفين أو المشاة على الأرصفة بحجة عدم التنبه لوجودهم أو على سبيل
معاكسة الفتيات منهم، فيما ترى في مشهد آخر الشخصية المحبة لمفاجأة الآخرين
ومداعبتهم بمزاح ثقيل الظل، يأتيك فيه مراهق يرشق زجاج المركبات الأمامي بكراته الثلجية التي تعب في تكويرها لشن معركة متعمدة يعرف مسبقاً أنه المنتصر
بها.
وفي مشهد ثالث، ترى
الشخصية المتهورة، يأتيك فيه الشاب العاشق للمغامرة والمخاطرة على
حساب الآخرين، ليمارس بعضاً من حركات "التفحيط" للفت الانتباه إلى مهاراته
الخارقة في القيادة والتحكم في الأجواء الماطرة والثلجية والجليدية، فيما تأتيك في
مشهد رابع الشخصية المتمردة العشوائية التي تعتقد أن أي سنتيمتر فارغ
في الشارع هو حق لها يجوز استخدامه لركن مركبتها وإن كان مدخل عمارة سكنية يصطف
سكانها لفترة من الزمن بانتظار الشخصية المتمردة العشوائية لتتكرم عليهم بإبعاد مركبتها عن
المدخل وإفساح المجال أمامهم لدخول مواقفهم الخاصة في كراج عمارتهم.
وتأتيك
في مشهد خامس الشخصية الأكثر أهمية وقوة على وجه الكرة الأرضية التي
تتجاوز السائقين الآخرين بشكل مخالف خاصة على الدواوير المرورية وتتوعدهم بمشاجرة
هي الأعنف من نوعها في حال إبدائهم للامتعاض من مخالفاتها، أما في المشهد
السادس، فتأتيك الشخصية المجتهدة لنفسها المؤذية لغيرها لتقوم بتنظيف
وإزالة الثلوج المتراكمة أمام مركبتها ووضعها كهدية غير لائقة أمام مركبات
الآخرين.
الطامة الكبرى ليست في
مشاهدة هذه المشاهد، إن الطامة الكبرى هي أن أبطال هذه المشاهد يؤمنون بحقهم
الشخصي في أداء هذه المشاهد؛ ذلك أن أنهم لا يصنفونها بشيء من التخلف الأخلاقي والانحطاط العقلي والفكري والسلوكي وعدم النضج، على
اعتبار أن التخلف من وجهة نظرهم يرتبط بالغباء أو الأمراض العقلية والعصبية، غير
واعين لأن التخلف هو التأخر وأن التأخر يمس كل جوانب الشخصية ومجالات الحياة.
وفي هذا المقام، فإنه لا
يحضرني سوى المقتطف التالي عن التخلف الأخلاقي من دراسة "جدلية الدين
والأخلاق" للكاتب الدكتور مصطفى ملكيان:
إن
السبيل الوحيد لإيقاف حدوث هذه المشاهد والتعرض لها لا يتطلب سوى تهذيب السلوك العام الذي لا
يتطلب بدوره سوى بناء تربوي مجتمعي وفردي ركيزته الأساسية الأخلاق والإنسانية
وعماده الفكر والوجدان القويم الذي يبدأ عند الأسرة قبل المدرسة.
Comments
Post a Comment