متى ستكسر النساء المعنفات حاجز الصمت ومتى سيتخطين المعاناة؟
شر البلية ما يضحك، نعم لأنه من اللافت للنظر إلى أن التوجهات العامة المتعلقة
بتمكين المرأة تتمحور حول تمكينها اقتصادياً، وحول إيجاد السبل الناجعة لإشراكها
في تنمية مجتمعها المحلي وتعزيز مشاركتها في تطويره والارتقاء به، بالتزامن مع
إغفال قضية تمكينها من حقوقها وتفعيل قدراتها بعد تحريرها من إسقاطات الثقافة
المجتمعية الذكورية الظالمة، وقبل ذلك وبعده اعتبارها والتعامل معها كإنسان ذي
كرامة آدمية وفق مقتضيات الإنسانية والأخلاق، لها حقوق بما فيها
الحقوق الإنسانية قبل كل شيء وعليها واجبات.
كيف للمرأة أن تتمكن من تطوير مجتمعها وهي لم تتمكن بعد من تطوير ذاتها
التي لم تزل خارجة عن سيطرتها حتى وقتنا الحالي، كما لم تتمكن من الحفاظ على
كرامتها من الامتهان وعلى صون حقوقها الإنسانية وعلى كسر حاجز الصمت وتخطي
المعاناة التي تشق صدرها وتدفعها للجنون أحياناً، لما تتعرض له من عنف بمختلف
أشكاله، اللفظي والنفسي والجسدي والعاطفي والجنسي.
لقد راودتني نفسي كثيراً
بأن أتصل مع المجلس الوطني لشؤون الأسرة أو مع برنامج إدارة حماية الأسرة أو حتى
مع الشرطة للإبلاغ عن عائلة جائرة، كلما سمعت صرخات تلك الصبية واستغاثاتها
وتوسلاتها لأخيها الذي يصغرها بعدد من السنين بأن يكف عن ضربها، فيما لا تستطيع هي
ردعه، ولا تجد من أهل بيتها من يساندها لردعه، ويا له من متعالٍ قاسي القلب، لا
تجد الرحمة في قلبه مكان.
شاورت نفسي بأن أعرض الفكرة
على الصبية، لكنها رفضتها قطعياً، فهي لا تجرؤ حتى على اتخاذ موقف صارم ضد أخيها
خشية من ردة فعله لاحقاً ومن عاقبة ما قد تُقدِم عليه نظراً لطبيعة وعلاقات أسرتها
المتحيزة للجنس الذكوري على حساب الجنس الأنثوي.
أتساءل، ما السبب
الحقيقي الذي يدفع هذا الرعن للتصرف على هذا النحو الظالم، هل ارتكاب هذه الصبية
لجريمة فاحشة نكراء هو ما دفعه لضربها؟ كيف وهي جالسة في قلب غرفتها؟ هل السبب
الحقيقي لتصرفه هذا عدم وجود قوانين رادعة حقاً؟ أيمكن أن يكون السبب متمحور حول
فرض السلطة والرجولة بأسلوب لا وجه حق فيه نتيجة لمفهومها الخاطئ الذي وصل لعقله
القاصر وفكره الملوث وغير السوي أو القادر على التمييز بين الصواب والخطأ وبين
الجائز وعدم الجائز، وبين رد الفعل المشروع لعدم جواز القول "العقاب المشروع"
وغلظة القلب والتجرد من الإنسانية؟
ما السبب الذي يمنع الأنثى
المعنفة من اتخاذ الإجراء الذي يجب اتخاذه دون أدنى تردد؟ هل يكمن في عدم وجود
آليات سرية وآمنة بالنسبة للمرأة في ظل الثقافة الذكورية السائدة؟ هل السبب الكامن
وراء سكوتها هو انعدام معرفتها بحقوقها وما لها وما عليها؟
مهما كان السبب، فإن قضية
العنف ضد المرأة غدت وبالرغم من كل النداءات والمناشدات لممارسيها بالتوقف عن ذلك،
وبالرغم من كل الحملات التوعوية التي يمكن وصفها بالبساطة وعدم الفاعلية والتي من
المفترض لها أن تأخذ المرأة على محمل الجد وتعطيها الفرصة للدفاع عن حقها في العيش
بسلام دون امتهان لكرامتها ودون إيذاء لجسدها الذي مهما بلغت قوته فإنها تبقى أضعف
من قوة الرجل الجسدية، ظاهرة وبائية متفشية لها أبعاد وإفرازات خطيرة تنفر منها
النفوس.
ومن هنا، فإنه يجب علينا
جميعاً كسيدات واعيات بالغات عاقلات راشدات وكرجال يؤمنون بأن النساء شقائق الرجال
وبأنه ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، أن نبدأ بالحراك الفاعل وأن نعمل
على تكثيف الحملات التوعوية حتى الفردية منها، وأن نناشد ونطالب الجهات المسؤولة
والمعنية بصوت واحد لوضع التشريعات والقوانين الصارمة والرادعة ضد ممارسي العنف،
ولنكن كلنا تلك "الصبية" لإنهاء المعاناة والاضطهاد من أجل جيل من
الإناث المتزنات والسليمات نفسياً وجسدياً.
Comments
Post a Comment