Skip to main content

بالمختصر المفيد لا للتملق وتباً للمتملقين المتلاعبين بالمديح والإطراء لخدمة مصالحهم


صحيح أن قليلاً من المديح والإطراء لا يضير إطلاقاً، لكن إن كان صادقاً ونابعاً من القلب، وهادفاً لتعزيز الود وكسب القلوب، لكنه إن لم يكن صادقاً وإن زاد عن حده فإنه يدخل في دائرة التملق الذي يعني لغة الخضوع والتذلل والمداهنة والثناء الكاذب وتليين الكلام والمجاملة المزيفة لكسب رضى المتملق له من أجل تحقيق مآرب شخصية.

من المؤسف أننا مضطرون للتعامل مع أشخاص سمتهم العامة التملق، تفرضهم الحياة علينا سواء في حياتنا الاجتماعية أو المهنية، الوضع الذي يفرض علينا بالتالي التعامل مع فئة أخرى أسوأ من الأولى دون الوقوع في فخ التملق ودون التخلي عن مبادئنا وأخلاقياتنا، وهي فئة الضئيلين في أنفسهم، الذين لا يتنفسون ولا يشعرون بوجودهم سوى من خلال التملق لهم، كونهم من الباحثين عن قيمتهم في وجوه الآخرين وكلمات مديحهم.

الأشخاص من هاتين الفئتين خاصة في أماكن العمل يعتقدون بذكائهم الاجتماعي الخارق، وبتمتعهم بمحبة الآخرين لهم لجاذبية شخصياتهم وتفرد أفكارهم، وبقدرتهم الكبيرة على إخفاء نواياهم الحقيقية وراء التملق وتلقيه، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماماً؛ فالذكاء الاجتماعي يتطلب العمل والصبر والمجاملة الصادقة، كما أن هناك خيط رفيع يفصل الذكاء عن الكذب الذي يقوم التملق عليه ركضاً وراء المنفعة المستحقة عن غير جدارة، ووراء الحصانة الوظيفية والتهرب من المساءلة بسبب الكسل والتقصير والأنانية. كذلك فإن محبة الناس للناس تنبع من الاحترام الذي يأتي كمحصلة للتعاملات والأخلاقيات الحسنة البعيدة عن الرياء والكذب والكبر والوشاية كالصدق والإصلاح والتواضع وحب الخير للغير، وهي الخصال التي لا يتحلى بها المتملق أو المتملق له، فالأول بوجهين، متسلق اجتماعياً على حساب الآخرين، يشيع الحقد والفرقة والنزاع بسلوكياته الوصولية والانتهازية، والثاني مهزوز، غير منصف، مغرور، يتغذى على الكذب. الاثنان غير أكفاء مهنياً، فاسدان وظيفياً، لا يتحليان بأي أخلاق حميدة، ويعانيان من ازدواجية في الشخصية بالمعنى الاجتماعي، وزد على ذلك أنهما مكشوفان للآخرين ككتاب مفتوح.

إن هذه الطبائع والسلوكيات لدى المتملق والمتملق له لا يمكن الإقلاع عنها بعد تعلمها خاصة لمن لديه الاستعداد النفسي للإصابة بالكذب والغرور، فهي تفسد المعطي والمتلقي على حد سواء كما قال المفكر السياسي "إدموند بروك"، هذا إلى جانب أنها طبائع وسلوكيات تخص الشياطين والطغاة والقتلة وأدعياء الفضيلة كما قال كل من الشاعرين "جون ميلتون" و"دانتي".

وعلى الناحية الأخرى، فإن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهي جواز السفر إلى القلوب وعنوان المحبة والخلق الفاضل، وإن القوة بمعرفة المرء لقدر نفسه وإعطائها حقها.

"إن الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عنه حسد"، وإن "ثلاث يوجبن المحبة، الدين والتواضع والسخاء" كما قال "الإمام علي"، كذلك فإن "حقيقة الإنسان ليست بما يظهره لك، بل بما لا يستطيع أن يظهره لك، لذلك إذا أردت أن تعرفه فلا تصغ إلى ما يقوله بل إلى ما لا يقوله" كما قال "جبران خليل جبران"، وإن التألق ليس بالتملق، والاحترام يكتسب لا يطلب، فلا تكن متملقاً ولا تدع الآخرين يخدعونك ويفسدونك بتملقهم لك، فهناك بون شاسع بين اللطافة والنفاق، وبين التأثير إيجاباً في الآخرين وكسب ودهم وتقديرهم واحترامهم ودفعهم لتجميل موقفهم منك بالكذب والمراوغة. كن سيد نفسك وعش عزيزاً، لا تتملق ولا تطلب التملق.

Comments

Popular posts from this blog

119 كلمة تختزل الشارع الأردني

اللهجة هي لغة الإنسان المحكية التي جُبِل عليها فاعتادها، والتي تنتمي المفردات فيها لبيئة جغرافية أو اجتماعية محددة، فتميز أهلها، وهي تعبر عن تفاصيل وأحوال الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من ثبات اللهجة، إلا أن مفرداتها التي لا يمكن إسقاطها أو إنكارها، قد تتبدل وتتغير من جيل إلى آخر حسب مستجدات الواقع المعاش وتأثير الزمان والبيئة المكانية والاجتماعية. وتتفرد اللهجة المحلية في الأردن بالكثير من الكلمات والمفردات والتعبيرات والتراكيب التي يتم تداولها في الشارع والمنزل والعمل وبين الأصدقاء والمعارف، وذلك على الرغم من الاشتراك في العديد منها مع لهجات الدول القريبة حدودياً. تالياً أهم 119 كلمة تختزل الشارع الأردني وتعبر عن واقعه: 1.     نشمي/ة: صفة تطلق على من به من الصفات الحميدة الكثير، وتتمثل فيه قيم الشهامة والشجاعة والإقدام وعمل الخير وغيرها. تكاد تكون حكراً على الأردنيين من الذكور والإناث.   2.     هلا عمي: مرادف لرد التحية أو رد الشكر. 3.      لغة الدواوين: اللغة المتداولة بين الشباب من الجنسين، ...

شركة كيربي الأردن وتسويقها المتواضع التائه بين النظرية والتطبيق

بعيداً عما تسوقه شركة كيربي للأنظمة المتعددة للتكنولوجيا ووحدتها لتحليل وتنقية المياه، فإن أول ما يتبادر للأذهان حالياً عند سماع اسمها هو مدى صعوبة التسويق عبر الهاتف وتحقيق الأهداف التسويقية المرجوة باعتماده كأسلوب راسخ، إلى جانب مدى عدم قدرة هذه الشركة على تطوير استراتيجيتها التسويقية وصياغة أخرى عصرية وفعالة تتناسب مع حجم الطلب والاحتياج الحقيقي للمستهلكين، وتستهدف الزبائن المحتملين والمهتمين فعلياً. منذ ما يزيد عن 5 سنوات على أدنى تقدير، من منا لم يستقبل - وما زال - دورياً على خط هاتفه المنزلي الأرضي مكالمة من أحد مسوقي شركة كيربي لأخذ موعد لزيارة منزلية من أجل استعراض أحد منتجات الشركة من أجهزة تحليل وتنقية المياه. على الأغلب لا أحد لم يحظ بفرصة استقبال هذه المكالمة التي جرت العادة على إنهائها بتذكير المسوق المتصل بأنه سبق وأن قام بزيارة مستقبل المكالمة بعد عدد اتصالات لا يحصى، وبأن المستقبل لم يرغب حينها ولن يرغب في أي وقت لاحق بشراء المنتج. الحقيقة، إن شركة كيربي تمتلك فريقاً تسويقياً يتمتع بالصبر والمثابرة، وهما صفتان من أولويات التسويق، إلا أنه لا يتمتع بالقدرة على ا...

عباءة الخال أو العم تراث بلا مجد

بالرغم من التحولات الكبيرة التي طرأت على حفلات الأعراس والتي فرضتها الرغبة بمواكبة الحداثة، ما زال الكثير من الناس يصرون على المحافظة على روح الموروث الشعبي في أعراسهم عبر اتباع بعض العادات والتقاليد القديمة، وهذا أمر جيد لا يعترض عليه أحد، لكن ما يجب الاعتراض عليه هو مجموعة العادات والتقاليد المقيتة في مضمونها كعادة ارتداء العروس عباءة خالها أو عمها. لمن لا تعلم حقيقة وقصة عادة ارتداء عباءة (عباية/ عباة/ بشت) الخال أو العم، فبقراءة سريعة لها ستجد أنها مجد كاذب قصد به جلب منفعة للخال أو العم؛ ذلك أن موافقة الخال والعم كانت مطلوبة قديماً لمباركة الزواج، فيقوم أحدهما بإلباس العروس عباءته التي تعتبر من اللباس الكامل والأصيل والموروث عن الآباء والأجداد، كدليل على حرصه على تسليم العروس لعريسها برداء الوجاهة، وكإشارة منه لمكانة العروس وأهميتها، والتأكيد على رضاه عن ذلك الزواج، إلا أن السبب الحقيقي لهذه العادة مغاير تماماً. عباءة الخال أو العم كان هدفها التودد لهما بمبلغ مالي كي يأذنا للعروس بالذهاب مع عريسها. يقال أن الخال أو العم كانا في الغالب يتنازلان عن مطلبهما المالي، إلا أن ا...