الحظ العاثر والثقافة السلبية التي تسانده
أما آن الأوان لتحطيم قيود
الموروثات الثقافية الرثة؟
"أعطني حظاً وارمني في
البحر"، "أعطني درهم حظ وخذ قنطار"، "اصبع بخت ولا عشرة
جمال"، "اللي ما له حظ لا يشقى ولا يتعب". هي أمثال تداولها واعتنقها
الجيل السابق ونتداولها نحن واعتنقناها وستتداولها الأجيال اللاحقة وتعتنقها، لا
إيماناً بصدقها وإدراكاً عميقاً لدور محورها "الحظ" في صنع نجاحاتنا
وسعادتنا أو كتابة تأخرنا وتعاستنا، بل كونها ثقافة مجتمعية تبنّاها كل مهزوم سلبي
مدرك لهزيمته وتقاعسه ربما، غير مدرك لحقيقة ذاته بنقاط ضعفها وقوتها، زرع بذورها
في محيطه، حتى باتت تنمو بالتوارث والاكتساب سويةً.
إن "الحظ السيء" لا
يعدو كونه عزفاً على وتر وهم ننسجه من محض ثقافتنا الحياتية وخيالنا كمبرر لفشلنا
ربما، أو كوسيلة لتقبل معاكسات الحياة ضمن إطار لفظي مبهرج نزينه بصفة أفلاطونية
رنانة، فيما أن "الحظ الجيد" لا يعدو بدوره كونه عزماً وقدرةً على توفير
أرضية صلبة لزيادة الفرص الجيدة التي تزيد احتمالات امتلاكها بالتسلح بالمقدرة على
بناء المهارات في خلق الفرص، وعلى المتابعة والعمل والتقدم والنمو ضمن دائرة أفكار
إيجابية وطموحة بعيداً عن ما يسمى بأسرار الحياة المرتبطة بالطاقة الكونية وقانون
الجذب والقوة المغناطيسية للأفكار؛ إذ لا يكفي لصنع حياة جيدة وليست بعاثرة أن
نملأ صدورنا بمشاعر وأفكار إيجابية دون اتخاذ قرارات سليمة ووضع أهداف وتطلعات محددة
للسير والمضي بكل عزيمة وإصرار نحوها والتخلي عن اليأس والانهزامية والإحباط عند
التعثر بحصاة على طريق المسير، الأمر الذي يجسد سر نجاح هنري فورد في صناعة عربته
ذات المحرك، كما هو سر نجاح توماس إديسون في اختراع المصباح الكهربائي والذي اشتهر
بمقولتيه: "أنا لم أفشل أنا ببساطة وجدت 10 آلاف حل لا يعمل"، و"العبقرية
هي 1% إلهام و99% عرق."
أهل الحكمة لا يغالون في
الحزن على ما فاتهم، ولا يغرقون أنفسهم في السلبية، أهل الحكمة يقيمون أنفسهم
وقدراتهم ويعملون على تطويرها وإطلاق العنان لها، أهل الحكمة لا يتقوقعون في عالم
الأوهام وقصص الخيال الوردية، أهل الحكمة يدركون أن الحظ ما هو إلا حالة ذهنية
توصل إلى قرارات توصل بدورها لبناء الذات، فهُم يدركون أن الحظ ما يتبقى لهم بعد بذل
100% من جهدهم وأنه ما هو إلا نتاج تنظيم وتخطيط وسعي ورضى. أهل الحكمة يعلمون أن
"الحظ السعيد" لا يشتري السعادة وأن السعادة نسبية في حياة الإنسان،
تتفاوت تبعاً لسعة أفقه وعمله وإدراكه لحقيقة رسالته في الحياة.
وعلى عكس أهل الحكمة، فإن
أهل الغرارة والتيه يواصلون المسير وإن كان وعراً، أهل الغرارة والتيه ينتقصون على الدوام من ذواتهم، يؤمنون بحدود سقف توقف تقدمهم، أهل الغرارة والتيه يعشقون قيود
الخنوع للسلبية والرضى بأدنى المعرفة وأدنى التعلم وأدنى الطموح وأدنى العزم وأدنى
الحماس وأدنى القوت، أهل الغرارة والتيه يرتعون في عالم الأوهام بانتظار معجزة
إلهية محملة بقلائد "الحظ السعيد" في عصر انتهت فيه المعجزات، أهل
الغرارة والتيه يوهمون أنفسهم أن الحظ يولد مع الإنسان وأن المحظوظ لا يعرف معنى
الفشل غير واعين لحقيقة أن الإنسان يتعلم من الفشل في المحاولة الأولى، فيكتسب
الخبرة ويسعى لتطوير ذاته وحياته والتقدم بهما وصولاً لتحقيق الأهداف مهما كبرت أو
صغرت. أهل الغرارة والتيه يعتقدون أن النجاح ضربة حظ وأن "الحظ السعيد"
هو مفتاحهم للحياة وطريقهم للسعادة التي لا يدركون ماهيتها بالنسبة لهم. أهل
الغرارة والتيه يرحلون عن الدنيا دون اكتشاف رسالتهم في الحياة.
إن كل ما نحتاج إليه ثورة
ثقافية تطيح بكل القناعات الانهزامية الخاطئة التي تم جبلنا عليها وتجذيرها في
دواخلنا الفكرية والنفسية والروحانية. نحن لا زلنا هنا، فحررونا من شوائب سلبيتكم
وانهزاميتكم وأفكاركم وأمثالكم البالية التي علقت بنا، ولا تستنسخوا أنفسكم فينا
فنصبح نسخاً مكررة منكم، كونوا مختلفين، كونوا إيجابيين، كونوا لنا السند والمعين،
علمونا أن لا نسقط وإن سقطنا أن لا نلين، فلو كان في ثقافتكم وأمثالكم خير ما كان
هذا حالنا.
Comments
Post a Comment