كيف تعلم أنك أصبحت كائناً إنترنتياً يتكاثر باللايكات والفيفورتات وينمو بالكومنتات والريتويتات؟
-
شراؤك للكتب، وحضورك للمعارض والحفلات والمناسبات الفنية والثقافية هدفه
الأساسي لديك التقاط الصور لك ضمنها ومشاركتها مع الآخرين على كافة حساباتك على
مواقع التواصل. أصبحت "المثقف أبو حكمة أيها المهتم بالفنون والقارئ
النهم"، مبروك.
-
زيارتك للمطاعم والمقاهي لا تكتمل إلا بتغيير حالة موقعك الجغرافي على
مواقع التواصل عبر خاصية "Check-In". أنت الآن "الدليل الشامل لأشهر
مطاعم ومقاهي المدينة وخبير التذوق الأول بها".
-
بعد تغيير حالة موقعك الجغرافي عند زيارتك للمطاعم والمقاهي، فإن التوثيق
الفوتوغرافي لإحدى زياراتك الهامة واكتشافاتك العظيمة هو خطوتك التالية. صور
للافتة المطعم أو المقهى محل الزيارة، أو لطبقك قبل وبعد تناوله، أو لفنجان قهوتك
وعلبة سجائرك ستكون إثباتك القاطع لصدق حالة موقعك الجغرافي. لن يحل على المدينة
"مؤرخ توثيقي" بكفاءتك في السرد المنهجي المتتالي الدقيق والتفصيلي
للحياة اليومية البهيجة.
-
في حال تعرضك لأي عارض صحي أو حادث سير أو سرقة أو ما شابه من أحداث مؤلمة
شخصية، فإن ملكتك في التعبير الكتابي الصريح وأحياناً نادرة السريالي تطغى على
أجوائك. قاتل الله من آلم "الأديب المبدع" الذي يستحوذ الألم في وجدانه
على حضور أثير، والذي لا يضاهيه أحد في تحويل الألم بالسخرية إلى ضوء. وفي حال
وقوع الطامة الكبرى ووفاة أي من الأقرباء أو المعارف أو غير المعارف، أنت
"القوي الصبور" الذي يتفوق على أقرانه بتمالك نفسه خلال فترة قياسية لا
تزيد عن خمس دقائق من أجل تغيير الصورة الشخصية على حساباتك على مواقع التواصل
واستبدالها بصورة سوداء قاتمة أو كتابة مرثية منمقة، معاوداً بعدها انهيارك ودخولك
في حالة من الذهول.
-
أما في حال تعرض أي من معارفك الافتراضيين لأي مواقف أساءت لهم أو أحزنتهم،
أو تعرض الأمة أجمع على المستوى المحلي أو العربي أو الاقليمي أو حتى العالمي لأي
حدث طارئ قاسٍ، فإن تعبيراتك الإبداعية عن هول الحدث تخترق القلوب وتعبر عما في
الدواخل المختنقة. أنت "السلوى والسلوان ولسان الإنسانية والأخلاق والمصلح
الاجتماعي". وفي حال تزايد الظلم والعدوان في أي رقعة من العالم الفسيح فأنت
بكلماتك التي تنتشر على حساباتك على مواقع التواصل، "المدافع عن البشرية
والحقوق الإنسانية وصوت الحق". أما عندما تعم الفحشاء والمنكر، فكلماتك
المنتشرة هنا وهناك تقول ها هو "حامي المجتمع والأجيال القادمة من اللوثات
الدينية والثقافية والسلوكية". وعندما يتزايد الفساد الداخلي، فصورك
التوثيقية أو كلماتك الإبداعية لا تشير إلا لـ "صوت المواطن ومحارب الفساد
والاستبداد وعميد دعاة الإصلاح". وفي حال وقوع أي حدث سياسي أو رياضي أو
مجتمعي على أي مستوى كان، فإنها تشير لك أنت "المحلل السياسي والرياضي
والباحث والخبير النفسي المحنك أبو فهمي".
-
حب الطبيعة والمخلوقات والكائنات المختلفة لا حد له، فكلاهما يأخذك
لعوالم من العشق الإلهي بعد الوقوف على سر أسرار قدرة الله في خلق الكون يا
من لا يصلح له إلا لقب "مخلص صديق الحيوان، مولانا جلال الدين الرومي
جونيور".
-
بعد لقائك لأشخاص بالكاد تعرفهم، فإنك تغدق عليهم من فيض مشاعرك الجياشة
وتفصح عن مكنوناتك تجاههم مطلقاً عليهم على الملأ لقب Bestie. إنك من "ألطف الكائنات
المرهفة".
-
صباحاتك تبدأ وتنتهي عادة بالدخول على كافة حساباتك على مواقع التواصل
ومتابعة المستجدات عليها وإتحاف أصدقائك ومتابعيك بتحيتك وطلتك الافتراضية البهية
عليهم. من عاداتك أيضاً إحصاء أعداد أصدقائك ومتابعيك الذين لا تتابع إلا قلة
مختارة منهم، والبحث عن من يقوم بإلغاء صداقته أو متابعته لك ومن ثم تجاهله كمنحة
تقدمها ليتراجع عن خطئه الجسيم ولتلقينه درساً في سعة الصدر أو ربما كيفية
الاحتقار، وعند عدم تراجعه عن هذا الخطأ الفادح فإن "البلوك/ الـ Unfriend" ستكون هي كلمة النهاية ولاغية عقد الصداقة والمتابعة بينكما. لكن والحمدلله،
فقدانك لأحد الأصدقاء والمتابعين الافتراضيين لا يحطم معنوياتك، على العكس، هو
حافزك لاستقطاب العديد الآخرين بدلاً منه، مما يجعلك لا تنفك عن التواصل وطرح
الآراء والتعليقات والردود ومناقشة القضايا المختلفة ووضع الصور والنكات ومقاطع
الفيديو والأغاني الأكثر تميزاً على الإطلاق. أنت "صاحب مبدأ وبصيرة"
ولا مكان للعلاقات السطحية والعابرة عندك، فضلاً عن كونك "اجتماعي"
بطعبك ومنذ نعومة أظفارك، أنت "محبوب الجماهير الافتراضية" والكل يحبك،
أنت "مغناطيس" للأصدقاء والمتابعين الجدد.
-
وبما أنك "محبوب الجماهير" فمن هو أولى منك بدراسة مدى انتشار
صيتك الذائع على الإنترنت قاطباً. على فترات متقطعة خلال النهار لا بد أن تقوم
بكتابة اسمك على محرك البحث جوجل لترى بأم عينك أنك "الشخصية الافتراضية
الأكثر أهمية".
القائمة
تطول وتطول، لكن كانت هذه أهم الأعراض التي تشير لتجاوزك مرحلة الاطلاع والتواصل،
واقتحامك عالم المتحولين إلى كائنات إنترنتية تتكاثر باللايكات والفيفورتات وتنمو
بالكومنتات والريتويتات.
Comments
Post a Comment