Skip to main content

التحرش أزمة تربية وصراع قيم

التحرش ليس بالظاهرة الوليدة حديثاً، فلطالما تعرضت الفتيات من مختلف الفئات العمرية لشتى أنواع التحرش سواء كان لفظياً أو إيمائياً أو إباحياً أو جسدياً في مشهد كاد أن يصبح من مشاهد الحياة اليومية التي لم يعد نطاق حدوثها يقتصر على الشوارع والأماكن العامة، بل تغلغل حتى في عيادات الأطباء.

الانتشار الواسع للتحرش وأسلوب التعامل مع واقعة التحرش والمتحرش بلاء، إلا أن البلاء الأعظم الذي يسترعي انتباه كل صاحب بديهة وبعد نظر هو ردة فعل الجماهير المتجمهرة في مكان الواقعة. منذ زمن ليس بالبعيد، كان ما يزال هناك القليل من النخوة والشهامة لمساعدة الفتاة في التصدي للمتحرش ومنعه عن مواصلة سلوكه المريض ومعاقبته بطريقة أو بأخرى والتي من أهمها الإبلاغ، لكن في ظل التغيرات في التفاعلات الاجتماعية وانحراف مسار هذه التفاعلات نظراً لتغير مفاهيم القيم والسلوكيات المبنية بالاعتماد عليها، باتت ردة فعل هذه الجماهير لا تتجاوز أكثر من المشاهدة، لا شيء سوى الاكتفاء بمشاهدة الواقعة ورصد تطوراتها من بعيد بداعي الفضول.

البحث في ظاهرة التحرش، والوقوف على أسبابها يطول بمقدار ما سيطول العمل على نبذها كلياً في المجتمع، الأمر الذي يتطلب خلق بيئة رافضة لهذه الظاهرة وتأسيس مجتمع رافض لتقبلها، ابتداءً من المنزل وفي سن مبكرة ليكبر الذكر ويكبر معه رفضه لممارسة التحرش أو الاستمتاع بمشاهدته أو للامتناع عن مساعدة الفتاة في التصدي للمتحرش وإن لم يربطه بها أي صلة دم، وذلك من خلال ترسيخ القيم والأخلاق التي ترسم في الكبر خريطة السلوك والتعامل والتفاعل، علماً بأن المطلوب لا يتمحور حول خلق عالم المثالية الوردي، إنما ذلك العالم الذي لا تنفصل فيه القيم عن الواقع ويُرى لأثرها وجوداً مادياً ملموساً يماثل ذلك الوجود الذهني والنفسي، وإلا ستنعدم قيمة القيم وتتحول إلى مجرد مفردات لا واقعية.

إن الأمر بسيط ولا يتطلب سوى القدوة والرقيب المؤمن بالمبادئ والقيم والأخلاق الراقية، والتعاملات الإنسانية الرفعية؛ إذ أنه من حق الأبناء على الآباء أن يحسنوا تربيتهم ولا يقتصروا على تعليمهم وتأمين أسباب عيشهم، كما أن التربية لها ما لها من تأثير في تقويم المنحى الإنساني وتوفير سبل العيش بسلام. ونحن اليوم أحوج ما نكون في هذا الوطن المتعب إلى القيم ومعاني الأخلاق والفضيلة والرجولة.


Comments

Popular posts from this blog

119 كلمة تختزل الشارع الأردني

اللهجة هي لغة الإنسان المحكية التي جُبِل عليها فاعتادها، والتي تنتمي المفردات فيها لبيئة جغرافية أو اجتماعية محددة، فتميز أهلها، وهي تعبر عن تفاصيل وأحوال الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من ثبات اللهجة، إلا أن مفرداتها التي لا يمكن إسقاطها أو إنكارها، قد تتبدل وتتغير من جيل إلى آخر حسب مستجدات الواقع المعاش وتأثير الزمان والبيئة المكانية والاجتماعية. وتتفرد اللهجة المحلية في الأردن بالكثير من الكلمات والمفردات والتعبيرات والتراكيب التي يتم تداولها في الشارع والمنزل والعمل وبين الأصدقاء والمعارف، وذلك على الرغم من الاشتراك في العديد منها مع لهجات الدول القريبة حدودياً. تالياً أهم 119 كلمة تختزل الشارع الأردني وتعبر عن واقعه: 1.     نشمي/ة: صفة تطلق على من به من الصفات الحميدة الكثير، وتتمثل فيه قيم الشهامة والشجاعة والإقدام وعمل الخير وغيرها. تكاد تكون حكراً على الأردنيين من الذكور والإناث.   2.     هلا عمي: مرادف لرد التحية أو رد الشكر. 3.      لغة الدواوين: اللغة المتداولة بين الشباب من الجنسين، ...

شركة كيربي الأردن وتسويقها المتواضع التائه بين النظرية والتطبيق

بعيداً عما تسوقه شركة كيربي للأنظمة المتعددة للتكنولوجيا ووحدتها لتحليل وتنقية المياه، فإن أول ما يتبادر للأذهان حالياً عند سماع اسمها هو مدى صعوبة التسويق عبر الهاتف وتحقيق الأهداف التسويقية المرجوة باعتماده كأسلوب راسخ، إلى جانب مدى عدم قدرة هذه الشركة على تطوير استراتيجيتها التسويقية وصياغة أخرى عصرية وفعالة تتناسب مع حجم الطلب والاحتياج الحقيقي للمستهلكين، وتستهدف الزبائن المحتملين والمهتمين فعلياً. منذ ما يزيد عن 5 سنوات على أدنى تقدير، من منا لم يستقبل - وما زال - دورياً على خط هاتفه المنزلي الأرضي مكالمة من أحد مسوقي شركة كيربي لأخذ موعد لزيارة منزلية من أجل استعراض أحد منتجات الشركة من أجهزة تحليل وتنقية المياه. على الأغلب لا أحد لم يحظ بفرصة استقبال هذه المكالمة التي جرت العادة على إنهائها بتذكير المسوق المتصل بأنه سبق وأن قام بزيارة مستقبل المكالمة بعد عدد اتصالات لا يحصى، وبأن المستقبل لم يرغب حينها ولن يرغب في أي وقت لاحق بشراء المنتج. الحقيقة، إن شركة كيربي تمتلك فريقاً تسويقياً يتمتع بالصبر والمثابرة، وهما صفتان من أولويات التسويق، إلا أنه لا يتمتع بالقدرة على ا...

عباءة الخال أو العم تراث بلا مجد

بالرغم من التحولات الكبيرة التي طرأت على حفلات الأعراس والتي فرضتها الرغبة بمواكبة الحداثة، ما زال الكثير من الناس يصرون على المحافظة على روح الموروث الشعبي في أعراسهم عبر اتباع بعض العادات والتقاليد القديمة، وهذا أمر جيد لا يعترض عليه أحد، لكن ما يجب الاعتراض عليه هو مجموعة العادات والتقاليد المقيتة في مضمونها كعادة ارتداء العروس عباءة خالها أو عمها. لمن لا تعلم حقيقة وقصة عادة ارتداء عباءة (عباية/ عباة/ بشت) الخال أو العم، فبقراءة سريعة لها ستجد أنها مجد كاذب قصد به جلب منفعة للخال أو العم؛ ذلك أن موافقة الخال والعم كانت مطلوبة قديماً لمباركة الزواج، فيقوم أحدهما بإلباس العروس عباءته التي تعتبر من اللباس الكامل والأصيل والموروث عن الآباء والأجداد، كدليل على حرصه على تسليم العروس لعريسها برداء الوجاهة، وكإشارة منه لمكانة العروس وأهميتها، والتأكيد على رضاه عن ذلك الزواج، إلا أن السبب الحقيقي لهذه العادة مغاير تماماً. عباءة الخال أو العم كان هدفها التودد لهما بمبلغ مالي كي يأذنا للعروس بالذهاب مع عريسها. يقال أن الخال أو العم كانا في الغالب يتنازلان عن مطلبهما المالي، إلا أن ا...