شيزوفرينيا الحجاب.. الحجاب "المودرن" بين مد التجديد وجزر التقليد

ربطات تظهر الأعناق، وأخرى تظهر الآذان، وثالثة تظهر غرة الشعر، ملابس ضيقة أو شفافة، تنانير قصيرة مع أحذية طويلة الساق. ربما تكون هذه السلوكيات من أصدق البراهين على أعظم أمراض القلوب الخبيثة والمتفشية في أيامنا.

الغفلة والانقياد الأعمى للآخرين ومتابعتهم بلا وعي وحجة، مرضان خبيثان يجرفان المحجبة للاستهتار بحجابها وتطويعه لفنون الموضة الزائفة التي تم استحداثها استجابة للمغريات وتحايلاً على القيم الدينية في ظاهرة يصلح تسميتها بظاهرة شيزوفرينيا الحجاب.

الحجاب، وبعيداً عن الجدلية المغرضة الواسعة حول حكمه على الرغم من ثبات هذا الحكم بالأدلة في القرآن والسنة، لم يكن يوماً عائقاً أمام الاهتمام بالمظهر والأناقة ومواكبة الموضة ضمن الضوابط الشرعية، كما أنه لم يكن يوماً ولن يكون عائقاً أمام تقدم وحرية من ترتديه، إلا لمن تبنت عقلية القطيع فسُيِّرَت إلى ذهنية الإمعة والجريان مع كل ريح، وشُرِّبَت شيزوفرينيا الحجاب، فباتت راغبة بالتمرد عليه لضعف إيمانها، وجهلها بأحكام الدين الإسلامي، واستقائها من اللوثات المعادية للدين باسم الحرية الشخصية والثقافة اللادينية ومن المغالطات الفكرية المقصودة وغير المقصودة مما يمس العقيدة.

للأسف، وعلى الرغم من إمكانية ظهور المحجبة بحجاب سليم بلا غلو وبشكل عصري يتماشى مع الموضة، إلا أن الحجاب صار يشهد تراجعاً كبيراً في احترامه من قبل من ترتديه من المنقادات لـ "الحجاب الستايل" أو ما يسميه البعض "الحجاب الحرام". الفكرة هنا لا تدور حول ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه، إنما تدور حول التخلص من قشور الحضارة والتصالح مع الحجاب واحترام آدابه وشروطه من قِبَل من ترتديه سواء كانت مختارة له بمحض إرادتها أو مكرهة عليه، وإلا فلا ترتديه قبل بلوغها لمرحلة الاستعداد النفسي والسلوكي التام والتي تؤهلها لارتدائه بمسؤولية وإخلاص، وفي هذا المقام فلتتنافس المتنافسات.

وما يزيد الأسف، أنه يمكن الإدراك في فسحة بسيطة للعقل بأن: "الزمان وما يفني له عجب، وبأن الجديدين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس، وبأن الفتن كقطع الليل، وبأن المتمسك بدينه كالقابض على الجمر".

وعلى الهامش، فإن أدلة وجوب الحجاب - الذي يعد جزءاً من الدين والذي يعني ستر الجسد بما فيه الرأس دون الوجه والكفين - عديدة، منها ما جاء في القرآن ومنها ما جاء في السنة.

أما ما جاء في القرآن، فمنه كما في سورة النور بقوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)، وبقوله في نفس السورة: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، وبقوله في سورة الأحزاب: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)، وبقوله في سورة النور: (ولا يضربن بأرجلهن لـيُعلم ما يخفين من زينتهن).

وأما ما جاء في السنة فمنه كما في الحديث: (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤسهن كأسنمة البخت)، وكما ورد في قول أم عطية رضي الله عنها حين قالت: (أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق والـحُيَّض وذوات الخدور، أمَّـا الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها)، وكما ورد في قوله "ص" لأسامة بن زيد رضي الله عنه عندما أهداه قبطية (أي دشداشة) كثيفة (أي سميكة): (مالكَ لم تلبس القبطية؟) فقال أسامة: كسوتها امرأتي، فقال "ص": (مُرها فلتجعل تحتها غِلالةً)، أي تلبس تحتها لباساً آخر، فإني أخافُ أن تصف حجم عظامها)، هذا بالإضافة للكثير من أدلة السنة.

وفي تأويل الأدلة من الآيات، فإن (ما ظهر منها) تعني الوجه والكفين أو زينتهما، أما (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فتعني إنزال خمار الرأس وهو غطاء الرأس حتى يبلغ فتحة الجيب، أي فتحة الصدر ويغطيها، فتكون المرأة بذلك ساترة لصدرها وعنقها وجميع جسدها إلا الوجه والكفين، وأما (الجلباب) فهو اللباس الفضفاض الذي يُسدَلُ من على الكتف إلى أسفل القدمين، وفيما يتعلق بقوله (ولا يضربن بأرجلهن) فيعني ستر الأرجل وما عليها من زينة، أما في تأويل الأدلة من السنة، فإن (كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت) تعني الكاسيات من نعمة الله العاريات من شكرها، الكاسيات من الثياب العاريات من فعل الخير والاعتناء بالطاعات وستر البدن بما لا يصف ولا يشف ولا يحكي ما تحته، مائلات عن الحق مميلات للغير، يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم.



Comments

Popular Posts