Skip to main content

عندما يصنع القانون جريمة التحرش

بمناسبة أسبوع التدوين ضد التحرش، والذي يعتبر أبسط تعريف له أنه سلوك جنسي مباشر أو غير مباشر، جسدي أو لفظي أو بالنظر والإيماءات، فإنه لا بد من إطلاله سريعة على واقع الحال في الأردن.

في السنوات الأخيرة وصل منسوب التحرش الجنسي في الأردن إلى مستويات عالية مترافقة مع مستويات غير مسبوقة من القبول الاجتماعي لهذه الجريمة وفقاً للعقل الجمعي في المجتمع، ونظراً لضعف التشريعات المتعلقة بهذه الجريمة؛ حيث أن قانون العقوبات الأردني لا يجرم التحرش، كما أنه لا يتضمن عقوبة محددة أو تعريفاً واضحاً ومحدداً للتحرش إلا من خلال العمل المنافي للحياء بموجب أحكام المادة ٣٢۰، أي أن قانون العقوبات لا يحتوى ما يسمى بالتحرش الجنسي، علماً بأن التحرش بأشكاله المختلفة يعتبر شرعاً من المحرمات مثل كل ريبة ومعصية حكمها وعقوبتها كتلك المعاصي التي لا حد أو قصاص أو كفارة فيها.

وحسب هذا القانون الأخرق الضئيل في شكله ومضمونه، فإن التحرش الجنسي لا يعد مصطلحاً قانونياً، إنما اجتماعياً، وإن من يُقبض عليه في حال وجود شكوى ضده عن مثل هذا النوع من الجرائم الجنحوية لا تتعدى عقوبته الحبس ٦ أشهر أو غرامة ۵۰ ديناراً، غير آخذ بعين الاعتبار الحرمة الدينية ولا البعد والضرر الاجتماعي والنفسي لهذا السلوك الشائن والهمجي الذي لا يقل وقعه عن وقع الاغتصاب وهتك العرض، فكلمات مثل: "إيش يا شقفة، ويا جمل، ويا مزة، ويا بطة، وأموت طخ بفرد مي، وشو هالطعجة يا نعجة، ويا ريتني العلكة اللي بين أسنانك"، وامشي ع رمشي، وهدي على خدي، اودحرج يا بكرج، ميل يا برميل، والعب يا سمك، وشو هالجسد يا اسد، وحريقة، وصاروخ، وكرزة، والشعب يريد رقم تلفونك" وغيرها سواء كانت في الشارع أو في المواصلات العامة، أو أماكن الدراسة والعمل والعلاج أو في العالم الافتراضي، وأي حركات بالأصابع أو الأيدي تمس أي جزء من جسدها، أو أي نظرة ذكورية زانية لا يمكن أن تعتبرها الأنثى من الغزل والإعجاب بشيء، ولا تولد لديها أي شعور باستثناء الشعور بامتهان كرامتها وإنسانيتها واستباحة جسدها وحقوقها تماماً كالإغتصاب.

في الأردن تتعدد الأماكن والشخصيات، لكن ظروف التحرش وتداعياته تكاد تكون متشابهة، وما يزال القانون لا يخرج بأي حال رادع، بل وما يزال بضعفه يصنع الجريمة ويشجع على تكرارها، كما أن سلوك مجراه ما يزال يثير الشؤم على هذا البلد وعلى طاقاته البشرية خاصة الأنثوية منها. ومن الناحية الأخرى، ما يزال الذكر يرى أن التحرش لا صلة له بالأخلاق التي تبنى عليها كل الشرائع والديانات، متناسياً أن من يقدم على هذ الفعل مع الغريبة فإنه لن يمنعه أي مانع من فعله مع القريبة وإن كانت من المحارم، وسيكون عوناً لغيره لفعل التحرش دون خوف من الله أو من عباده، وغافلاً عن دوران الدوائر.

ويبقى السؤال: "أما آن الأوان لصحوة توقظ الضمائر والأخلاق وتنهي عصر القرود والإفلاس الأخلاقي الذي نعيش في ظله؟ أما آن الأوان للخروج من فخ السقوط في (العادي) فتعود الشهامة والمروءة، ولا يبقى التحرش فعل عادي ومقبول، ولا تلصق تهمة حدوثه بالمتحرش بها؟ أما آن الأوان لتوبة تصل الوعي والضمير والفعل الإنساني بالله؟ أما آن الآوان للخروج من دائرة الصمت والجور والمشاركة في الظلم والجريمة؟.

خطوة واحدة تصنع منك إنساناً سليم القلب، وإن سلم قلبك أسلمت فكرتك، وإن سلمت فكرتك، أسلمت حركتك. قل لا للتحرش ولا تصمت عن المتحرش.



Comments

Popular posts from this blog

119 كلمة تختزل الشارع الأردني

اللهجة هي لغة الإنسان المحكية التي جُبِل عليها فاعتادها، والتي تنتمي المفردات فيها لبيئة جغرافية أو اجتماعية محددة، فتميز أهلها، وهي تعبر عن تفاصيل وأحوال الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من ثبات اللهجة، إلا أن مفرداتها التي لا يمكن إسقاطها أو إنكارها، قد تتبدل وتتغير من جيل إلى آخر حسب مستجدات الواقع المعاش وتأثير الزمان والبيئة المكانية والاجتماعية. وتتفرد اللهجة المحلية في الأردن بالكثير من الكلمات والمفردات والتعبيرات والتراكيب التي يتم تداولها في الشارع والمنزل والعمل وبين الأصدقاء والمعارف، وذلك على الرغم من الاشتراك في العديد منها مع لهجات الدول القريبة حدودياً. تالياً أهم 119 كلمة تختزل الشارع الأردني وتعبر عن واقعه: 1.     نشمي/ة: صفة تطلق على من به من الصفات الحميدة الكثير، وتتمثل فيه قيم الشهامة والشجاعة والإقدام وعمل الخير وغيرها. تكاد تكون حكراً على الأردنيين من الذكور والإناث.   2.     هلا عمي: مرادف لرد التحية أو رد الشكر. 3.      لغة الدواوين: اللغة المتداولة بين الشباب من الجنسين، ...

شركة كيربي الأردن وتسويقها المتواضع التائه بين النظرية والتطبيق

بعيداً عما تسوقه شركة كيربي للأنظمة المتعددة للتكنولوجيا ووحدتها لتحليل وتنقية المياه، فإن أول ما يتبادر للأذهان حالياً عند سماع اسمها هو مدى صعوبة التسويق عبر الهاتف وتحقيق الأهداف التسويقية المرجوة باعتماده كأسلوب راسخ، إلى جانب مدى عدم قدرة هذه الشركة على تطوير استراتيجيتها التسويقية وصياغة أخرى عصرية وفعالة تتناسب مع حجم الطلب والاحتياج الحقيقي للمستهلكين، وتستهدف الزبائن المحتملين والمهتمين فعلياً. منذ ما يزيد عن 5 سنوات على أدنى تقدير، من منا لم يستقبل - وما زال - دورياً على خط هاتفه المنزلي الأرضي مكالمة من أحد مسوقي شركة كيربي لأخذ موعد لزيارة منزلية من أجل استعراض أحد منتجات الشركة من أجهزة تحليل وتنقية المياه. على الأغلب لا أحد لم يحظ بفرصة استقبال هذه المكالمة التي جرت العادة على إنهائها بتذكير المسوق المتصل بأنه سبق وأن قام بزيارة مستقبل المكالمة بعد عدد اتصالات لا يحصى، وبأن المستقبل لم يرغب حينها ولن يرغب في أي وقت لاحق بشراء المنتج. الحقيقة، إن شركة كيربي تمتلك فريقاً تسويقياً يتمتع بالصبر والمثابرة، وهما صفتان من أولويات التسويق، إلا أنه لا يتمتع بالقدرة على ا...

عباءة الخال أو العم تراث بلا مجد

بالرغم من التحولات الكبيرة التي طرأت على حفلات الأعراس والتي فرضتها الرغبة بمواكبة الحداثة، ما زال الكثير من الناس يصرون على المحافظة على روح الموروث الشعبي في أعراسهم عبر اتباع بعض العادات والتقاليد القديمة، وهذا أمر جيد لا يعترض عليه أحد، لكن ما يجب الاعتراض عليه هو مجموعة العادات والتقاليد المقيتة في مضمونها كعادة ارتداء العروس عباءة خالها أو عمها. لمن لا تعلم حقيقة وقصة عادة ارتداء عباءة (عباية/ عباة/ بشت) الخال أو العم، فبقراءة سريعة لها ستجد أنها مجد كاذب قصد به جلب منفعة للخال أو العم؛ ذلك أن موافقة الخال والعم كانت مطلوبة قديماً لمباركة الزواج، فيقوم أحدهما بإلباس العروس عباءته التي تعتبر من اللباس الكامل والأصيل والموروث عن الآباء والأجداد، كدليل على حرصه على تسليم العروس لعريسها برداء الوجاهة، وكإشارة منه لمكانة العروس وأهميتها، والتأكيد على رضاه عن ذلك الزواج، إلا أن السبب الحقيقي لهذه العادة مغاير تماماً. عباءة الخال أو العم كان هدفها التودد لهما بمبلغ مالي كي يأذنا للعروس بالذهاب مع عريسها. يقال أن الخال أو العم كانا في الغالب يتنازلان عن مطلبهما المالي، إلا أن ا...