اضبطوا لايكاتكم
لا يكاد التواصل
البشري الحقيقي والحي يجد لنفسه موطئ قدم بين الأقارب والأصدقاء والزملاء والمعارف حتى يخبو في ظل اللقاءات
التي تتم في العالم الافتراضي المليء بالمشاعر الفقاعية الباردة التي أفرزتها
شبكات التواصل الاجتماعي التي لم تكتفِ بدورها بافتراس العلاقات الاجتماعية وتسطيحها،
بل إنها أفقدت الناس حلاوة التواصل بالكلام أو الرغبة بهذا التواصل، ذلك أنها أتت
على المشاعر والعواطف التي تعد أهم الفطرات الإنسانية وقوام الدفء الإنساني،
فجففتها.
اليوم، ومع
الانتشار المخيف لموقع الفيسبوك رغبة في اللحاق بركب الحضارة وعصر السرعة المزعوم،
بات الناس يعبرون عن مشاعرهم بالرموز الإلكترونية الجوفاء التي لا تقترب من ملامسة
القلوب فلا تؤثر فيها، فهي كالكلمات المضللة الخالية من المعنى والقصد.
وما يزيد من
حجم المأساة المستعرة، أن استخدام الرموز الإلكترونية لم يعد كما كان في بداياته
من حيث الهدف؛ إذ لم يعد على سبيل المثال زر الإعجاب "اللايك Like" وسيلة للتعبير الإلكتروني عن الإعجاب الحقيقي بمنشور أو
تعليق أو صورة، بل بات مجاملة وتبادل إعجاب، بات مجرد رد فعل لإشعار صاحب المنشور
بالرغبة في الإبقاء على العلاقة السطحية معه من خلال عادة لا قيمة أو معنى حقيقي
لها، ما جعل الإعجابات "اللايكات" تكثر، واتسع نطاق استخدام زرها تجنباً
للتواصل الحقيقي الحي.
هذا الاتساع
جعل المجامل يضغط زر "اللايك" على سمة الحالة "Status" التي يعلن فيها صديقه الفيسبوكي خبر انتقال جدته إلى الرفيق
الأعلى، كما جعله يضغط زر "اللايك" اللعين على صورة للمهجرين العراقيين
المسيحيين من الموصل إلى الأردن وأخرى للاجئين السوريين في الزعتري وثالثة لقرية
لفتا المهجورة في القدس ورابعة لمئات العالقين على معبر رفح، وعلى فيديو لحادث سير
في أجواء صقيعية أودى بحياة شخصين وغيرها الكثير.
يا ترى هل
كان هذا المجامل معجباً بخبر الوفاة، أم أن صور اللاجئين والمهجرين أسرت قلبه؟ لا
تقل أن هذه "اللايك" عنت التعاطف أو الاهتمام، إنها لم تكن سوى نمط تعبير
مفرغ من الحقيقة والمضمون والمشاعر. لا تقل أن التكنولوجيا التي تحكمت بمجرى
الحياة الاجتماعية والروابط الإنسانية، والتي حجرت المشاعر وصلبت القلوب وفككت الروابط،
غير قادرة على تغييب العقول. إنها قادرة على ذلك، وإن الأمر يستدعي التوقف عنده والعمل
على وقف الاغتراب الذي أحدثته التكنولوجيا لا سيما شبكات التواصل الافتراضي والعودة إلى الحياة الواقعية والعلاقات والمجاملات الحقيقية الواعية التي تبنى بالأساس على المشاعر الإنسانية الصادقة.
Comments
Post a Comment