نفر من الموت وفي الموت نقع
الموت أقسى فجيعة يمكن أن يواجهها الإنسان، هذا ما يعتقده الكثيرون.
في الأمس القريب، كان خبر موت قريب أو صديق ينزل على المتلقين كالصاعقة،
حينها كنا نرى الوجوه على الفور واجمة، والعيون دامعة، والقلوب باكية بحرقة وأسى
على المتوفى.
اليوم، مع مرور الأيام وكر الأعوام بما فيها من خير وشر وفرح وترح، أصبح
الناس يتلقون خبر الموت ببرود كبرود الثلج، أصبحنا لا نرى في بيوت العزاء إلا وجوهاً
متقنعة بالحزن ونداء الموت يقرع المسامع، وأخرى قافرة مجردة من التعبيرات، وغيرها
باكية على نفسها. هي الغرق في متاهات الغفلة، أو كثرة الفقد وتعب الأرواح وإنهاك
القلوب، أو أنها الطبيعة البشرية الأنانية التي تجعل من المعزي بكّاء على موتاه الأقربين،
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة؛ يتوفى المتوفى ولا بواكي له.
إن الفجيعة الأشد قسوة في الحياة، أن تتداخل غرف القلوب، وتصبح أراضٍ طالتها
يد الفوضى والتيه، أن تصبح أراضٍ بوار لا زرع فيها ولا حصاد، مجللة بالآلام
والأحزان، أن تصبح أراضٍ لضلالات الروح والنفس الإنسانية. إن الفجيعة الأشد قسوة في
الحياة، أن يسيطر الشعور بالحاجة لمنعطفات قاسية ومآزق وجودية ومفارقات أليمة تكون بداية الصحوة وعودة الروح والإحساس ودبيب النبض والحياة بعد التوقف والانقطاع.
لأن الموت هو الحقيقة المطلقة الوحيدة في الحياة، ولأن الموت هو الوجهة الأخيرة الوحيدة
في الحياة، فمن الأفضل أن يكون هذا الموت المادي رغم تكراره السخيف نافذتنا للحقيقة ولسماوات
الأبدية، من الأفضل أن يكون رغم سواده نافذتنا للحياة وللفرح، من الأفضل أن
يكون نافذتنا للحب وللاشتياق وللحنين. إن لم يصبح الموت كذلك، فسنظل أقل
استعداداً للموت الذي يحدث فينا كل لحظة كوننا نموت كما يقال بطريقة الأجزاء أدبياً ومعنوياً ومادياً،
وسنظل أكثر رفضاً للدواء والشفاء، وأقل طاقةً على احتمال الحياة ومنحها كون الموت
يمسها.
Comments
Post a Comment