Skip to main content

لحظة اعتراف بطولية

لشد ما تربكني ذاكرتي التي لم تفلح قط في رتق ثقوب بعثتها وطأة أفعال وكلمات يدوي صداها أحياناً في ثنايا تلك الذاكرة حيث ينتشر رماد الوجع مهما عبرت بنفسها إلى مساحات الفرح على مدى السنين.

بعيداً عن عالم المثاليات، فإن قدم الزمان، وعظم البطولة الأخلاقية والنفسية لتوديع ما مضى والقفز نحو الحاضر والمستقبل، ليسا كفيلين بالنسيان، قد يكونا كفيلين بالعفو والغفران.

في حكمة ناضجة تزور المتألم متأخراً، لا بد له أن يدرك البون الشاسع الذي يفصل بين العفو والغفران، والنسيان، ففي لحظة يوريكية عقلانية بعيدة عن روح الانفعال التي غيرت مكانة من آلمه في ذاكرته، والتي انتقلت بمن آلمه من واجهة الذاكرة إلى الخلف في ترتيب الذكريات، سيكتشف بأنه ما نسيان على الإطلاق بالرغم من تداعي حجم ألمه بفعل قلبه لتلك الصفحة من حياته أو حتى تمزيقها، فقد تنبعث في يوم بعيد ما تلك الآلام من جديد، ويتسرب وميضها في ثقوب الذاكرة ولو لثوانٍ معدودات، وسيكتشف بأن العفو والغفران لا موضع محدد لهما؛ فهما مباحان للجميع، وهما أيضاً سبيله للحرية من ألمه وطريقه للمستقبل الذي لا يُبلغ إلا بقلب سليم وروح صامدة، وبأن المستقبل لا يعني بشيء محو الذاكرة ودفن التاريخ، فالرصاصة التي أصابته؛ جرحته بالفعل إن لم تكن قد قتلته.

وفي لحظة يوريكية عقلانية أخرى، سيكتشف بأن جروحه القديمة ستصبح يوماً علامات مجد، ومصدر شفاء له وللآخرين من حوله في دليل على تلك القوة التي تدرك من يرهن نفسه للعلياء وتلملم جروح روحه، وبأن من سبب له جروحه ليس ملائكياً، وقد تكون جروحه الخاصة التي تنهش قلبه هي ما دفعه للمبادرة بالإساءة دون أي وجه حق، ودون إدراك منه لحجم الألم الذي خلفته إساءته ولا لمعنى التسامح الذي وهب له كفرصة ثانية، لا يملك - وهو الصغير في نفسه - القدرة على شكرها وتأدية حقها، وبأنه ما من إنسان قادر على تغيير الآخرين، وما من إنسان مخول بذلك.

كما هي تجارب الإنسان وتعاملاته تأتيه بشظايا الحكمة على حين غرة، فهي كذلك آلامه وجروحه؛ فمن رحم الألم تولد الحكمة ويورق القلب وتزهر الروح.

Comments

Popular posts from this blog

119 كلمة تختزل الشارع الأردني

اللهجة هي لغة الإنسان المحكية التي جُبِل عليها فاعتادها، والتي تنتمي المفردات فيها لبيئة جغرافية أو اجتماعية محددة، فتميز أهلها، وهي تعبر عن تفاصيل وأحوال الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من ثبات اللهجة، إلا أن مفرداتها التي لا يمكن إسقاطها أو إنكارها، قد تتبدل وتتغير من جيل إلى آخر حسب مستجدات الواقع المعاش وتأثير الزمان والبيئة المكانية والاجتماعية. وتتفرد اللهجة المحلية في الأردن بالكثير من الكلمات والمفردات والتعبيرات والتراكيب التي يتم تداولها في الشارع والمنزل والعمل وبين الأصدقاء والمعارف، وذلك على الرغم من الاشتراك في العديد منها مع لهجات الدول القريبة حدودياً. تالياً أهم 119 كلمة تختزل الشارع الأردني وتعبر عن واقعه: 1.     نشمي/ة: صفة تطلق على من به من الصفات الحميدة الكثير، وتتمثل فيه قيم الشهامة والشجاعة والإقدام وعمل الخير وغيرها. تكاد تكون حكراً على الأردنيين من الذكور والإناث.   2.     هلا عمي: مرادف لرد التحية أو رد الشكر. 3.      لغة الدواوين: اللغة المتداولة بين الشباب من الجنسين، ...

شركة كيربي الأردن وتسويقها المتواضع التائه بين النظرية والتطبيق

بعيداً عما تسوقه شركة كيربي للأنظمة المتعددة للتكنولوجيا ووحدتها لتحليل وتنقية المياه، فإن أول ما يتبادر للأذهان حالياً عند سماع اسمها هو مدى صعوبة التسويق عبر الهاتف وتحقيق الأهداف التسويقية المرجوة باعتماده كأسلوب راسخ، إلى جانب مدى عدم قدرة هذه الشركة على تطوير استراتيجيتها التسويقية وصياغة أخرى عصرية وفعالة تتناسب مع حجم الطلب والاحتياج الحقيقي للمستهلكين، وتستهدف الزبائن المحتملين والمهتمين فعلياً. منذ ما يزيد عن 5 سنوات على أدنى تقدير، من منا لم يستقبل - وما زال - دورياً على خط هاتفه المنزلي الأرضي مكالمة من أحد مسوقي شركة كيربي لأخذ موعد لزيارة منزلية من أجل استعراض أحد منتجات الشركة من أجهزة تحليل وتنقية المياه. على الأغلب لا أحد لم يحظ بفرصة استقبال هذه المكالمة التي جرت العادة على إنهائها بتذكير المسوق المتصل بأنه سبق وأن قام بزيارة مستقبل المكالمة بعد عدد اتصالات لا يحصى، وبأن المستقبل لم يرغب حينها ولن يرغب في أي وقت لاحق بشراء المنتج. الحقيقة، إن شركة كيربي تمتلك فريقاً تسويقياً يتمتع بالصبر والمثابرة، وهما صفتان من أولويات التسويق، إلا أنه لا يتمتع بالقدرة على ا...

عباءة الخال أو العم تراث بلا مجد

بالرغم من التحولات الكبيرة التي طرأت على حفلات الأعراس والتي فرضتها الرغبة بمواكبة الحداثة، ما زال الكثير من الناس يصرون على المحافظة على روح الموروث الشعبي في أعراسهم عبر اتباع بعض العادات والتقاليد القديمة، وهذا أمر جيد لا يعترض عليه أحد، لكن ما يجب الاعتراض عليه هو مجموعة العادات والتقاليد المقيتة في مضمونها كعادة ارتداء العروس عباءة خالها أو عمها. لمن لا تعلم حقيقة وقصة عادة ارتداء عباءة (عباية/ عباة/ بشت) الخال أو العم، فبقراءة سريعة لها ستجد أنها مجد كاذب قصد به جلب منفعة للخال أو العم؛ ذلك أن موافقة الخال والعم كانت مطلوبة قديماً لمباركة الزواج، فيقوم أحدهما بإلباس العروس عباءته التي تعتبر من اللباس الكامل والأصيل والموروث عن الآباء والأجداد، كدليل على حرصه على تسليم العروس لعريسها برداء الوجاهة، وكإشارة منه لمكانة العروس وأهميتها، والتأكيد على رضاه عن ذلك الزواج، إلا أن السبب الحقيقي لهذه العادة مغاير تماماً. عباءة الخال أو العم كان هدفها التودد لهما بمبلغ مالي كي يأذنا للعروس بالذهاب مع عريسها. يقال أن الخال أو العم كانا في الغالب يتنازلان عن مطلبهما المالي، إلا أن ا...