في عيد العمال اذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
كما هو عيد العمال
فرصة ذهبية لتذكير أرباب الأعمال بالحقوق العمالية من أجور، وحوافر، وتوفير فرص
تطوير ذاتي ومهني، وتقدير معنوي، وبيئة عمل آمنة ومثالية من حيث ما تقدمه من مزايا
وأجواء إيجابية تحقق الرضى الوظيفي، فهو فرصة أيضاً لتذكير العمال من مختلف
المستويات الوظيفية بقواعد مدونة السلوك الوظيفي والأخلاقي للعاملين في شتى
القطاعات والميادين والمجالات، لما لذلك من أهمية في خلق بيئة عمل عادلة تقدم لكل
مجتهد نصيب، علماً بأن الاجتهاد هنا يعني بالضرورة الاجتهاد في العمل والإنتاج بكفاءة
وفاعلية بصرف النظر عن نوع العمل للنجاح بجدارة مستحقة، لا الاجتهاد في النفاق والوصولية والانتهازية والتملق
والتسلق على أكتاف الآخرين للنجاح بالمراوغة والادعاء والكذب.
للوصول
لبيئة عمل الأحلام هذه في يوم ما، فإن المسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق كل موظف
يضع مخافة الله أمام عينيه ويتمسك بالمبادئ الإنسانية، كما تقع على كاهل أرباب
الأعمال؛ إذ أن اختيار الموظف الخلوق صاحب القيم الراقية علاوةً على خبرته المهنية
يندرج ضمن نطاق الضرورة لا الترف، ويعد بمثابة سمة تميزهم عن غيرهم وتضمن استدامة
أعمالهم وإبقائها جاذبة بالرغم من صعوبة تحقق ذلك كونهم غير مخولين بالبحث في
خفايا الأنفس ونواياها وغير قادرين على ذلك.
حتى يحين
ذلك الوقت فلا بد من الإشارة إلى أن الفساد والانتهاكات الوظيفية التي يرتكبها العامل بحق
رب عمله، أو من يخدمهم بوظيفته من أبناء مجتمعه، أو زملائه مهما صغرت أو عظمت يأتي
يوم عليها وتكتشف فيه، فإن لكل جواد كبوة فالباطل لا يطول، ولرديء الأخلاق نصيب من
الوقوع، وأن الانتهاكات لا تمر دون عقاب إلهي عاجل أو آجل، فإن توازن العالم لا
ينضبط على إيقاع المصالح البشرية الأنانية، وأن الطريق إلى السعادة لا تتطلب سوى
ضمير نقي وقلب شريف وعمل يصنع باليدين، وأن المناصب والثروات لا تصنع الرجال، وأن
الرجال لا يبحثون عن قيمتهم في عيون الناس بل في ضمائرهم، فإذا ارتاح الضمير ارتفع
المقام.
ولمن أراد
من أصحاب الانتهاكات الوظيفية أن يحين ذلك الوقت، فقد تنير أبيات القصيدة الزينبية التالية لسيد البلغاء والمتكلمين الإمام علي عليه السلام ضميره وقلبه،
لما فيها من وصايا ونصائح للإنسان:
صَرَمَتْ حبالَك بعد وصلِك زينبُ والدهرُ
فيه تَصَرُّمٌ وتقَلُّبُ
فدعِ الصِّبا فلقد عداك زمانُه وازهد فعمرُك منه ولَّى الأطيبُ
ذهب الشباب فما لَه من عودةٍ وأتى المشيبُ فأينَ منه المهربُ
ضيفٌ ألَمَّ إليك لم تحفلْ به فترى له أسفاً ودمعاً يُسكبُ
دعْ عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبَك وإبكِها يا مذنبُ
واخشَ مناقشةَ الحساب فإنه لابُدَّ يُحْصَى ما جنَيْتَ ويُكتبُ
لم ينسَهُ الملكانِ حين نسيتَه بل أثبتاه وأنتَ لاهٍ تلعبُ
والروحُ فيك وديعةٌ أُوْدِعْتَها ستردها بالرغم منك وتُسلبُ
وغرورُ دنياك التي تسعى لها دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ
والليلُ فاعلم والنهارُ كلاهما أنفاسُنا فيها تُعَدُّ وتُحْسَبُ
وجميعُ ما حصلتَه وجمعتَه حقاً يقيناً بعد موتِك يُنْهَبُ
تبّاً لدارٍ لا يدوم نعيمُها ومَشيدُها عما قليلٍ يخربُ
فاسمع هُديتَ نصائحاً أَوْ لاكَها بَرٌّ نصوحٌ عاقلٌ متأدبُ
صَحِبَ الزمانَ وأهلَه، مستبصرٌ ورأى الأمور بما تؤوب وتُعقِبُ
أهدى النصيحةَ فاتعظْ بمقالِه فهو التقيُّ اللوذعيُّ الأدربُ
لا تأمنِ الدهرَ الصَّروفَ فإنه لا زال قِدْماً للرجالِ يُهذِّبُ
وكذلك الأيام في غُصّاتِها مضضٌ يَذِلُّ لها الأعزُ الأنجبُ
فعليك تقوى الله فالْزمْها تفزْ إن التقي هو البهيُّ الأهيبُ
واعمل لطاعته تنلْ منه الرضا إن المطيع لربه لَمُقَرَّبُ
فاقنع ففي بعض القناعة راحةٌ واليأسُ مما فات فهو المطلبُ
وإذا طمعْتَ كُسِيتَ ثوبَ مَذَلَّةٍ فلقد كُسِيَ ثوبَ المذلَّةِ أَشْعَبُ
والْقَ عدوَّك بالتحيةِ لا تكن منه زمانَك خائفاً تترقبُ
واحذره يوماً إنْ أتى لك باسماً فالليثُ يبدو نابُه إذ يغضبُ
إنَّ الحقودَ وإنْ تقادمَ عهدُه فالحقدُ باقٍ في الصدورِ مُغَيَّبُ
وإذا الصديقُ رأيتَه مُتَمَلِّقاً فهو العدوُّ وحقُّه يُتَجَنَّبُ
لا خير في وُدِّ امرِئٍ متملقٍ حلْوِ اللسانِ وقلبُهُ يتلَهَّبُ
بلقاك يحلف أنه بك واثقٌ وإذا توارى عنك فهو العقربُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغُ الثعلبُ
واختر قرينَك واصطفيه تفاخراً إن القرينَ إلى المقارَنِ يُنسَبُ
إن الغنيَّ من الرجال مكرَّمٌ وتراه يُرجَى ما لديه ويُرْهَبُ
ويَبَشُّ بالترحيب عند قدومه ويقامُ عندَ سلامِه ويُقَرَّبُ
والفقرُ شينٌ للرجال فإنه يُزرَى به الشهمُ الأديب الأنسبُ
واخفض جناحك للأقارب كلِّهم بتذللٍ واسمحْ لهم إن أذنبوا
ودعِ الكذوبَ فلا يكنْ لك صاحباً إن الكذوب لبئسَ خلاًّ يُصْحَبُ
وذرِ الحسودَ ولو صفا لك مرةً أبعدْه عن رؤياك لا يُستَجْلَبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكنْ ثرثارةً في كلِّ نادٍ تخطبُ
واحفظ لسانَك واحترز من لفظه فالمرءُ يسلمُ باللسان ويَعطَبُ
والسرَّ فاكتمه ولا تنطق به فهو الأسير لديك إذ لا يُنشَبُ
واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعُها بعدَ التنافرِ يَصعُبُ
إن القلوب إذا تنافر وُدُّها شِبهُ الزجاجة كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاك سرُّ المرءِ إن لم يطوِه نشرَتْهُ ألسنةٌ تزيدُ وتكذبُ
لا تحرصَنْ فالحرص ليس بزائدٍ في الرزق بل يُشقِي الحريصَ ويُتعِبُ
ويظل ملهوفاً يَرومُ تحيُّلاً والرزقُ ليس بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجز في الناس يُؤْتَى رزقَه رغداً ويُحْرَمُ كَيِّسٌ ويُخَيَّبُ
أد الأمانةَ، والخيانةَ فاجتنبْ واعدل ولا تظلم يطيبُ المكسبُ
وإذا بليت بنكبة فاصبر لها من ذا رأيتَ مسلَّماً لا يُنكَبُ
وإذا أصابك في زمانك شدةٌ وأصابَك الخطبُ الكريهُ الأصعبُ
فادْعُ لربك إنه أدنى لِمَن يدعوه من حبلِ الوريد وأقربُ
كن ما استطعتَ عن الأنام بمعزلٍ إن الكثير من الورى لا يُصحبُ
واجعل جليسَك سيداً تحظَ به حبرٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدبُ
و احذر من المظلوم سهماً صائباً واعلم بأنَّ دعاءَه لا يُحْجَبُ
وإذا رأيتَ الرزق ضاق ببلدةٍ وخشيتَ فيها أنْ يضيقَ المكسبُ
فارحلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضا طولاً وعرضاً شرقُها والمغربُ
فلقد نصحتُك إنْ قبلْتَ نصيحتي فالنصحُ أغلى ما يُباع ويوهبُ
خذها إليك قصيدةً منظومةً جاءتْ كنظم الدرِّ بل هي أعجبُ
حِكَمٌ وآدابٌ وجُلُّ مواعظٍ أمثالُها لذوي البصائر تُكتَبُ
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ وآلِهِ عددَ الخلائقِ حصرُها لا يُحْسَبُ
Comments
Post a Comment