هل نتخلى عن مكارم الأخلاق من أجل المال ومتع الحياة

كثيرة هي الأشياء التي تحمل السم والدسم في آن واحد، وكثيرة هي الأشياء التي تحمل في طياتها النقيضين، فالماء يحيي ويميت والدواء ينفع ويضر، كذلك المال، إنه سيف ذوحدين، إنه عنصر مهم في الحياة، إما أن يرفع بصاحبه إلى الأسمى أو يطيح به إلى الأسفل.

إن كافة متع الحياة من الأِشياء التي يمكن لنا أن نملكها ويمكن لها أن تكون بين أيدينا هي خاضعة للكيفية التي نتعامل معها بها، وخاضعة للكيفية التي نتحصل عليها بها.

إن رغبة البعض في الحصول على هذه المتع قد تدفعهم لتجاوز مكارم الأخلاق والتخلي عنها ليشعروا بإحساس جميل سرعان ما سيزول وبمتعة سرعان ما ستندثر وإن طال عليها الزمن وبراحة كما يعتقدون أو كما يصورون لأنفسهم إلا أنها ستنقلب إلى نقمة وإلى تعب دائم.

ألم يتساءل من قد سولت له نفسه بالتخلي عن مكارم أخلاقه للحصول على أي من هذه المتع والتي تعتبر فانية بالأًصل، وماذا بعد؟؟ ما هي الحجة التي قد يبرر بها لنفسه أمام الناس والمجتمع وأمام الله؟؟؟
إن الحرص على ضبط سلوكياتنا ضمن إطار مكارم الأخلاق للحصول على ما نريد لا يعني التزمت الديني أو الزهد التام والتخلي عن الأِشياء، لأن الزهد لا يعني بالضرورة أن لا نملك أي شيء ولكن الزهد أن لا يمكلنا أي شيء فيسيطر على تفكيرنا بشكل سلبي ليشتت عقولنا ونفسياتنا دافعاً إيانا للوقوع في شراكه وفعل ما لا يجوز فعله للحصول عليه.

وكما قال الفيلسوف العالمي العظيم فوثاغورس:
هكذا في الحياة الحاضرة أيضاً، الرجال يجتمعون معاً في مكان واحد من كل المهن المختلفة، بعضهم يتأثر برغبة الغنى والترف، ويتأثر الآخرون بحب السلطة والسيادة، ويتملك الآخرون طموح مجنون للمجد والعظمة. لكن الأخلاق الأكثر طهارة ونقاء هي للإنسان الذي يهب نفسه للتأمل في الأشياء الأكثر جمالاً، وهو المناسب كي يدعى فيلسوفاً.

مرة ثانية، الحياة مثل الجمع الإنساني الذي يأتي محتشداً لمشاهدة الألعاب الأولومبية، يوجد هناك ثلاث طبقات من الزوار: الأحقر هم أولئك الذين يأتون ليبيعوا ويشتروا؛ الزوار الذين يتلونهم هم أولئك الذين يأتون ليتنافسوا للحصول على تاج المجد والعظمة. الطبقة الأفضل، على كل حال، هم أولئك الذين يأتون كي يمعنوا النظر، الذين لا ينشدون التصفيق ولا الربح، بل يأتون ليراقبوا ما يفعل وكيف.

وقال أيضاً:
حياة التأمل هي أكثر نبلاً من تلك التي تستمتع بالأشياء، اعرف نفسك ولسوف تعرف العالم والله. ابحث، لذلك وأنت ستجد. اجتهد كادحاً في هذه الأشياء، مارسها بعناية ومثابرة، يجب عليك محبتها! لأن هذه الأشياء سوف تضعك على طريق الفضيلة الإلهية. لكن قبل أن تقترب من هذا العمل الشاق، صمم على إكماله، وتوسل إلى الله كي يساعدك، لتتمكن من إتمامه. عند فهمك هذه الأشياء فهماً كاملاً، ستعرف قانون الآلهة الخالدين وقانون الرجال الفانين، في أية طريقة كل شيء يتجزأ وكيف يبقى ثابتاً متماسكاً. وستعرف كيف تكون الطبيعة متشابهة في كل شيء، بواسطة القانون الإلهي.

وإنها لبهجة أن يسلك الشخص طريقه في موازاة القبة الزرقاء السماوية المرصعة بالنجوم، تاركاً الأرض ومناطقها الباهتة وراءه، كي يرتفع إلى ما فوق السحب. وإن الصفات المميزة للفضيلة هي قوانين الحياة، ومن أجل ذلك فإن الإنسان يجعل الفضيلة طبيعته ودأبه الحقيقيين، ويرضي نفسه بكونه فاضلاً وبدون ادعاء.

وفي النهاية فإن كلٌ يعمل بأصله ويكشف عن معدنه الحقيقي من خلال تصرفاته وسلوكياته خاصةً عندما يتعلق الأمر بكيفية الحصول على الأشياء، حيث إن الغاية لا تبرر الوسيلة وإن اعتقد البعض بالعكس.


وهنا، فإننا ندعو الله إذا جردنا من نعمة المال أن يترك لنا الأمل وإذا جردنا من نعمة الصحة فليمن علينا بنعمة الإيمان، ويكفينا من متع الحياة قلب بلا حسد ولا طمع وروح طاهرة لتبقينا في عز الشموخ وعرش المعالي، وليبقى السلوك الصحيح رمزاً للأخلاق والمعاني السامية.

Comments

Popular Posts