حسبنا من السعادة ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف
اتفقنا خلال نهارنا أن نهدي
بعضاً محادثة هاتفية مطولة بعد فترة من الغياب بسبب انشغال كل منا بتفاصيل حياته،
صديقي يقدس العمل، لا يكل ولا يمل، دائم السعي لتطوير مساره الوظيفي، حلمه كبير.
-
كيفِك؟
-
الحمدلله تمام، إنتَ كيفَك؟ أخبارك؟
-
شايفه إنِك كزابة؟
-
سؤال؟ خلص اليوم؟
-
لأ؟
-
والله ناوية "أن لا أخل باتفاقنا"، وصلت البيت
متأخرة، وقلت برتاح شوي وبحكيك.
سارت المحادثة على النحو
المعتاد لكل محادثاتنا الهاتفية التي تستغرق ما لا يقل عن الساعة لأن كل منا يعيش
في رقعة من الوطن العربي الكبير، وكما في كل محادثة، تمحور الكلام حول العمل،
والأحلام والطموحات، وخطط النقاهة والإجازات، والأوضاع العربية العامة، وانتقاد بعض
القضايا والشخصيات بسخرية محببة، إلى أن وصلنا للحديث عن الأهل وعن
بعض الموضوعات الشخصية. اعتدلت في جلستي، فالجو العام أصبح لا يخلو من الجدية
نوعاً ما بعد أن بدأ بالحديث حول تفكيره الدائم بأهله وأصدقائه المقربين، وبطوفان الحنين
الذي يجتاح نفسه بعد كل زيارة لهم – بحكم غربته. أخذت المحادثة منحنى آخر، وأخذنا
نطرح الأسئلة على بعض في لحظات مكاشفة وإقناع الآخر بقناعات تولدت عبر الأيام
والتجارب.
-
بعدك مقرر تهاجر على أستراليا؟
-
إيه، بعدني عم فكر وحابب، بتعرفي قديه بدي إتحصل على
جنسية تريحني، جنسيتي ما عم تخليني عيش متل ما بدي. بس عم فكر إنه ما عاد بدي بهالوقت،
لإنه شغلي عم يتحسن ويكبر. وهيدا أهم شي، لإنه حيكون انطلاقة، وفعلياً بلشت، في
إشيا كتير تغيرت للأفضل.
-
شو صار بالمطعم اللي فتحته قبل؟
-
ما قتلك سكرناه!
-
لأ، صارلنا كتير مو حاكيين مع بعض.
- سكرناه، أصلاً ما كان بزنس بفضل اشتغل فيه؛ بعيد عن
تخصصي، بس كان وقتا بدي اعمل شي خاص وما كان يطلع معي فكرة أحسن. هلا صار فيني فكر
أحسن وآخذ قرارات أحسن ونفذ مشاريعي بطريقة مدروسة أحسن من قبل. وليكي متل ما
شايفة كله تمام.
-
كله تمام؟ الشغل تمام، وإنتَ إنتَ كيف؟
-
أنا إجمالاً منيح، وما عم فكر بشي هلا غير بالشغل وبأهلي،
قلتلك علاقتي فيهن صارت كتير أوثق من قبل، لإني ما بدي صير مثال حي للبعيد عن
العين بعيد عن القلب. عم أقضي أوقات لطيفة بعد الشغل، صرت خصص وقت أكبر للراحة
وللاستجمام عشان ما تضلي تقولي بتركض ورا الشغل وعم تنسى تعيش حياتك. ما عدا ذلك،
ما بدي فكر بشي.
-
ليه؟
-
لإنه جربت فكر بغير شي، وما مشي الحال؟
-
بس وقتها كان اختيارك غير مناسب وإنتَ بتعرف، هادا
أولاً، تانياً سمحت لنفسك بعد ما عرفت إنه اختيارك ما بشبهك بشي تكمل. صح؟
-
إيه صح، بس أنا هلا مترفع. مترفع لإني مقرر أترفع عن
الموضوع تماماً لإشعار آخر، بس كل ما فكر بترفعي، بقول لحالي، ليه البنات ما عم يتزوجوا؟
مترفعات كمان؟ إنتِ مترفعة وما بدك تفكري بالموضوع؟
-
ما بقدر أقول مترفعة، بس لهلا ما كنت ألتقي بالشخص
المناسب.
-
وكيف هوي هيدا الشخص المناسب يا زكية؟
-
ما له مواصفات محددة مسبقاً، المسألة مش معقدة والشخص ما
بحتاج بحث مضني عنه، لكن كل المطلوب مبدئياً يكون شخص بشبهني من حيث الأساسيات
الجوهرية. "ما عدا ذلك" على قولتك، ممكن الاتفاق عليه وممكن ساعتها النظر له بعين
الرضى.
-
طيب لكان بما إنك مش مترفعة، بتقدري على هيك تتفقي مع أي
شخص مناسب من حيث جوهرياته الأساسية، وتقبلي فيه. ليه ما بتعملوا هيك؟ إن كان إنتِ
أو فلانة أو فلانة؟ شو المانع؟
-
لإنه ببساطة يا عزيزي لازم يكون فيه ميل وقبول عكس
النفور، بتعرفه؟ المرحلة التالية يأتي التوافق من حيث الجوهريات الأساسية والمبادئ
عند كل واحد فينا. لازم المشاعر تلعب دور أولاً.
-
طيب ما إنتِ دائماً بتقولي لازم تدقق باختيارك، يعني عم
تناقضي حالِك هلا، وقت بتدققي باختيارك يعني عم بتشغلي عقلك، وعم تلغي دور قلبك، ولما
تلغي دور قلبك بكون ما عاد في شي اسمه حب والحب ما بده عقل ليكون حب.
-
لأ، مو شرط أبداً. بشغل عقلي لأكتشف مدى التقارب
والتوافق والقدرة على الحياة المشتركة مع الشخص بعد ما يكون في إعجاب أو على الأقل
ما في نفور. هاي الـ Spark لازم تكون موجودة، لكن وجودها
لا يعني تبطل تفكر وتقرأ الإشارات والـ Red flags وتقدر تكتشف
مدى التوافق أو عدمه، والتوافق هون معني بالتفكير والمبادئ والأخلاقيات العامة مش
معني بالأشياء الثانوية. بتعرف إنه ما في اشي اسمه "حب من أول نظرة"، هادا
إحساس غير حقيقي، وناجم عادة عن الولع بفكرة الحب نفسها، وحلم الشخص بتجسيد صورة
المحبوب الموجودة في خياله، يعني حب لشخصية خيالية غير الشخصية الواقعية اللي
بتتعامل معها، يعني حب لصورة مبنية على خيالك وأحلامك لا على الجوهر الداخلي للطرف
الآخر. تخيل الكارثة لما تكتشف إنه الجوهر الداخلي بعد فترة من العلاقة مختلف
تماماً عن الصورة اللي رسمتها من محض خيالك وأحلامك. الحب لا يبنى على النظرة
الأولى، الحب بكون بالاقتناع الكامل أو عشان ما نبالغ، الاقتناع شبه الكامل بالطرف
الآخر بكل ما فيه، تفكيره، شخصيته، سلوكياته وأفعاله وردود أفعاله، عواطفه تجاهك، أسلوب
تعامله وكلامه، يكون متلك، بشوف الأشياء بالعين اللي انت بتشوفها فيها، هادي عناصر
كفيلة تقنع قلبك وعقلك فيه.
-
وإزا كانت كل هالعناصر موجودة، باستثناء الـ Spark وين مشكلتك؟
-
مشكلتي إنه لازم يكون يكون في حافز مبدئي عشان أقدر
أتعرف على الشخص، إعجاب، سمي متل ما بدك، وإلا...
-
إعجاب بشو، بشكله؟
-
الخلقة ما لها علاقة، بس الهيئة والتكوين العام، بيشبهك
أو ما بيشبهك بعيداً عن شكل الخلقة.
-
أنا بشوف إنه هالـ Spark مالها قيمة
إزا كنت مقرر أبني بيت وعيلة مع بنت معينة "مناسبة".
-
وكيف بدك تقرر مين هالبنت؟
-
بنت ممكن ألتقي فيها، ويكون عندها نفس الهدف، تبني بيت
وعيلة، وتكون قد هالمسؤولية.
-
والمشاعر؟
-
المشاعر بتيجي مع الوقت.
-
وفي حالة ما تكرمت المشاعر وانبثقت من هالزواج؟
-
ما ضروري تكون مشاعر جياشة، يكفي يكون فيه ثقة وأمان،
ويكفي إنه كل طرف يكون متحمل مسؤولياته وقايم بواجباته.
-
وكيف بدك تبني الثقة وتخلق الشعور بالأمان؟
-
مجرد إني جدي بموضوع الارتباط والزواج، كفيل يخلق مشاعر
الثقة والأمان.
-
هيك صفى "حب رفاقي" حسب نظرية "مثلث
الحب". شو الشي الكفيل بخلق مشاعر الود والحب؟
-
العِشرة.
-
وإزا ما خلقتها؟ بتعرف إنه أحياناً العِشرة ممكن تكون
السبب في خلق مشاعر النفور، وممكن تكون السبب بإنك تعيش كل عمرك ندمان على خطوة ما
كان لازم تاخدها ويمكن ما تقدر تتراجع عنها. بالعِشرة حتكتشف أشياء ما كنت مكتشفها
قبل وإن كانت صغيرة، لكنها مهمة كون أغلب المشاكل الكبيرة سببها الخلاف على تفاصيل
صغيرة بتشكل أساس الحياة المشتركة. بالعِشرة العلاقات إما بتقوى أو بتضعف وبتصير
متل الشعرة، حسب الأشخاص. ما بينفع تخلي تجربة كسرت إيمانك بالحب تطبع بصمتها على
كل حياتك في هالناحية. يعني ما في تجربة يفترض فيها تصير تعميم، كل تجربة حالة
منفردة بشخوصها ومعطياتها. إنك تعيش تجربة مع شخص غير جدير بحبك، لا يعني إنك تخدر
مشاعرك السلبية وقتها لإنك لازم تتخلص من الألم العاطفي اللي ما بقل عن الجسدي إطلاقاً، لكن لا يعني بنفس الوقت إنك تقضي حياتك تبكي وتبكي كتير منيح ولما توقف بكاء تقضيها بعد الشغل المتواصل تعمل Massage treatments وإزا كنت بنت تقضيها تغير لون شعرك وأضافرك، وتصير Shopaholic ولا Chocoholic، وبعدين تنتقل لمرحلة إما
الترفع أو الهوائية المطلقة، وبعد ردح من الزمان لما تقرر تأسس بيت وعيلة تأسسهم
مع حد ما بربطك فيه أي مشاعر. ما بنفع تخدر مشاعر المحبة تجاه الحياة بعدها،
ما بنفع تخدر قدرتك على الحب والرغبة فيه. ليه ما بتشوف الموضوع من ناحية
تانية، الإنسان بيمر بتجارب فاشلة، ورح يضل يمر فيها إزا ما صحح الخلل، الخلل اللي مش
بالضرورة يكون شي سلبي بحت فيه. المعنى بضل الواحد ياكل نفس الكف على نفس الخد حتى
مع اختلاف الزمن والمكان والأشخاص وبعض المعطيات الصغيرة، ليتعلم الدرس اللي لازم يتعلمه
لينجح، ليغير الإطار العام للتجربة. الحب موجود يا أخي بس إحنا اللي ما بنعرف نحب.
"ديريك" قال لـ "ميريديث" بواحدة من حوارات مسلسل "جرايس
أناتومي" لما سألته ليه ما تركها في خضم مشاكلهم:
Because of that!
Because I meant that! I promised I wouldn’t run. I promised I would love you
even when I hate you.
-
رومانطيقية!!
-
ممكن وممكن لأ.
-
كيف لأ؟
-
لأ لإنه هادا الحب الحقيقي اللي بشبه حب أهلك إلك، حب
شخص مش خاتم وورقة بربطوك فيه، الرابط أكبر من خاتم وورقة، وقبل الخاتم والورقة، الخاتم والورقة مش الطريق الكامل، بيجوا على الطريق الطويل، اللي يفترض يكمل على نفس الرتم بعدهم. يا عزيزي الرومانطيقية
لا تعني الخيال والأحلام والحصان الأبيض وحياة ما فيها مشاكل، ومليانة ورد وشوكولاته فقط، هادي رومانطيقية الأشباح، أما رومانطيقية البشر هي ببساطة الصدق، والصدق هو
الحقيقة اللي عقلك وقلبك بقولوا فيها نفس الكلام وبياخدوا نفس الموقف، هو الحقيقة اللي
بتتوافق فيها مشاعر المحبة الخالصة مع الكلمات المعبرة عنها والأفعال الملتزمة فيها تجاه الآخر، وهو الحقيقة اللي
ما فيها مراوغة ولا هي أنصاف حقائق عن مدى التشابه والتوافق والمحبة، بالمختصر الصدق هو الضمير الحي، وبالمحصلة النهائية هي أشياء لا تشترى، الحب ده أصله شجاعة وإحساس مش كلمة تنقال وخلاص،
الحب مش كلمة متزوقة بلحن وغنوة، بحتاج أكتر من هيك.
-
أمّا هُو. على كل هيدا موضوع شائك، Its complicated شوي يا ماما.
وبتهكم صديقي انتهت المحادثة الرائعة باستذكار قول "عمر طاهر":
"الإنسان سؤال، وإجابته: بيحب إزاي"، بمعنى أن
الحب موجود لكن علينا إدراك ماهيته ومعانيه ومتطلباته، علينا أن نكون ناضجين
عاطفياً وسلوكياً لكي نستطيع أن نحب بجنون من نحسن اختياره، علينا أن نكون
كالمحاربين أثناء الحرب تدفعنا العاطفة ويحركنا مزيج العقل والأخلاق بتوازن مثالي لنصل للسعادة المنشودة، وحسبنا
من السعادة ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف.
Comments
Post a Comment