الجاهل عدو نفسه ولغته
اللغة هي تلك الكلمات والألفاظ التي ينطقها البشر لخلق المعاني، الأمر الذي يشير إليه أبو الفتح عثمان بن جني، أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف في قوله عنها: "أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".
واللغة بما تحمله من دلالات ومعانٍ، تعتبر بنت الفكر وأداة من
أدوات المعرفة، كما أنها ناقلة للتراكمات المعرفية وللثقافة الفردية والمجتمعية، ووسيلة
التواصل والتخاطب والتفاهم والاحتكاك بين الأفراد، فضلاً عن كونها عنوان الوجود
والهوية.
إذا كانت اللغة تنضوي على كل هذه الأهمية، فهل يجوز السكوت عن
التشويه الحاصل للغة العربية والتهميش الجاري لدورها، وعن التخريب الممنهج وغير
الممنهج للذوق اللغوي حد الانحطاط حتى الحضيض من خلال المداومة على استعمال اللغة
العامية الفجة خاصة ضمن الوسائل الإعلامية التي من الأجدر بها أن تؤدي دوراً
حيوياً في الحفاظ على اللغة بدلاً من أن تتحول لمعاول تنسف اللغة؟
عندما لا يدرك إعلامي أكاديمي كالدكتور سليم شريف، المدرس في كلية
الإعلام في جامعة الشرق الأوسط في الأردن وعميد شؤون الطلبة فيها، مقدم برنامج
"صباحك نور" على إذاعة يقين، معنى كلمة "يلغ" المشتقة من
الجذر "وَلَغَ"، مستخدماً إياها في حديثه عن الرجل الذي
يأكل حتى الشبع من طبيخ زوجته فيذمه مادحاً طبيخ أمه، فتلك كارثة، وإن استخدمها مدركاً معناها ومعتمداً على تراكيب البيان فتلك كارثة أكبر.
كلمة "الولغ أو الولوغ" تعني كما ورد في لسان العرب شرب السباع
بألسنتها، ولَغَ السبع والكلب خطم وولغ يلغ فيهما ولغاً: شرب ماءً أو دماً، وفي
مختار الصحاح، فإن "وَلَغَ" تعني شرب الكلب لما في الإناء بأطراف لسانه،
أما في معجم الغني فتعني أيضاً شرب الكلب لما في الإناء وأكل لحوم الناس والنهش في
أعراضهم.
وهنا، فإنه لا يحضرني سوى قول الرافعي رفع الله قدره: "وإني
لأحسب أن العامي من أهل ذلك الزمن (العصر الجاهلي)، لو بُعث اليوم لرأى أكثر
أساليبنا الفصيحة هي دون عاميته."
لتتمكن وسائل الإعلام من المساهمة في الارتقاء بالذوق اللغوي، يتوجب
على المعنيين إعادة النظر في كيفية غرس اللغة العربية فى نفوس الإعلاميين الذين لا يطلب منهم التحدث بلغة سيبوية، إنما بلغة سليمة وإن كانت بسيطة؛ يدركون أولاً معاني ما يلفظون من كلمات، ويوظفون هذه الكلمات في أماكنها الصحيحة مع احترامهم لقواعد اللغة، وينأون بها عن الإسفاف والرداءة والقصور.
وعلى هذا، تأتي الحاجة لوضع منظور معياري لما ينبغي أن تكون عليه
لغة الإعلام أو لما ينبغي أن تكون عليه اللغة العربية داخل الإعلام.
Comments
Post a Comment