في أدب الفسبكة: صفحات الفيسبوك الساخرة غارقة في وحل الحرية الفاسدة

لا شك بأن موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" من أكبر المنصات الإلكترونية التي تجمع الملايين، والتي مع اتساع دائرتها، اتسعت دائرة الخيارات التي تقدمها كإنشاء الصفحات المتنوعة التي من بينها الصفحات الساخرة التي اشتهر العديد منها في كل دولة بشكل ملفت، مستقطبة الآلاف وفي أحيان كثيرة الملايين من المتابعين.

لا شك أيضاً بأن القائمين على هذه الصفحات التي انطوت على أنواع عدة من النقد وتوجهات كثيرة فيه، تراوحت ما بين نقد فكاهي، ونقد لاذع، إلى جانب النقد الساخر، يتمتعون بنسبة من مزيج من الذكاء الشخصي والدراية باهتمامات المستخدمين وأسرار وأدوات زيادة توصيل المنشورات وتعزيز حجم التفاعل على صفحاتهم.

النقد ليس الإشكالية هنا، فمنذ القِدَم كان النقد حاضراً كما كانت السخرية، الإشكالية تكمن في حدود السخرية وأسلوبها تجاه أي موضوع أو شخصية سواء من القائمين على الصفحات الساخرة أو من المتفاعلين معها؛ إذ باتت المنشورات أو التعليقات التي تصل إلى حد التهكم والتجريح والتعدي على الآخرين وتصويرهم بما لا يرضيهم كثيرة لدرجة سقوطها في دائرة "العادي والمستساغ".


عادة ما، ولدى استطلاع الرأي العام وآراء الخبراء حول الموضوع، يتم تعليق ظاهرة تجاوز حدود اللباقة والأدب والأخلاق في النقد والسخرية مما يندرج تحت عيوب السلوك الإنساني، من قبل الغالبية، على شماعة الهروب من الواقع المرير والظروف والأحداث المحيطة وعلى شماعة الوسائل والتقنيات الحديثة، في الوقت الذي يتم فيه نكران مسائل هامة كالنسق القيمي الأخلاقي والفكر والوعي السائد في المجتمع، والافتقار للإجراءات الرادعة أو العقابية الفاعلة في ظل تفاوت مقاييس الخطأ والصواب بين الناس.

ما أن يتجاوز النقد حدود الموضوعية أو حدود الأدب، ويتحول إلى نقد لا قيمة له ولا معنى، وإن كان ترفيهياً وفكاهياً، فيصبح عدواناً نفسياً أو لفظياً، فإنه لا يشير إلا لاعتلالات فكرية وخُلُقية ونفسية واجتماعية لدى الناقد أو صاحب التعليق من المتابعين، كعدم التمييز بين إبداء الرأي أو النقد وقلة التهذيب، وللطريقة التي نشأ عليها، ولقلة احترامه لذاته، ولغير ذلك مما يدفعه من كل بد لتقليل قيمة القضايا أو الشخصيات محل النقد، وهو الأمر الذي يشير بدوره إلى أننا مجتمعات متراجعة على الدوام، تسيء استخدام الوسائل المعرفية والإبداعية والابتكارية.


خلاصة القول: الأصل في الحرية أن تكون مدخلنا لمجتمعات وحياة أفضل؛ فلا يجوز تجاوز الحدود وانتهاج الفجاجة بحجة الحرية الشخصية وحرية التعبير عن الرأي أو الفكر. قد يخطئ الجميع، لكن الإنسان الحر الأصيل من يبتعد عن القبح من خلال إخضاع نفسه لمجهر النقد الذاتي ومواجهته بقوة الردع ومنهجية الارتداع.

Comments

Popular Posts