المزاج يحكم
بعيداً عن
متاهات المفردات ومعانيها لغة وفقهاً واصطلاحاً، فالمبادئ هي الأساس الذي تقوم
عليه حياة الإنسان، فهي بمثابة العقيدة العقلية والفكرية التي ينبثق عنها نهجنا وتصوراتنا
التي توجهنا في رغباتنا وفي ممارساتنا السلوكية كالصدق والعدل والوفاء وغيرها مما
يعرف بالقيم الأخلاقية والأدبية التي نحملها تجاه الآخرين والأشياء وتعاملاتنا
معها من حيث الصواب والخطأ والمقبول والمرفوض من النواحي الشخصية والاجتماعية
والإنسانية والمعرفية والدينية وحتى الوطنية منها كالمساواة بين الناس واحترام الآخرين
وغيرها من القيم التي تشكل بمجموعها أخلاقياتنا ومعاييرنا التي نستند إليها في الحكم
واتخاذ القرار والتصرف باحترام والتزام.
هذه المبادئ
وما تنتجه من قيم وأخلاقيات هي أساس شخصية الإنسان وهي موجودة في أعماقه، لم ولن
يكتسبها يوماً بواسطة المؤثرات الخارجية، فهي ضمير الإنسان الثابت الذي لا ولن
يتغير كونه قبس من النور الإلهي الذي يضيء القلب.
بالرغم من
ثبات الضمير وبالرغم من أنه لا خلاف على وجوده عند كل إنسان، إلا أن عمله غير ثابت
للأسف بنفس القدر عند الجميع، وذلك لتعرضه لحالات من المد والجزر من شخص لآخر تبعاً للاختيار الحر دون تسيير لطريقة عمل الضمير واتجاهه، والذي ينتقيه كل منا وفقاً لرغبته وللحالة والمزاج والميل القلبي، فترى من يتقبل الخطأ من البعض ويرفضه من البعض
الآخر، يغفر أخطاء البعض ولا يغفر ذات الأخطاء للبعض الآخر، كما ترى من يستاء من
عيوب البعض وينشغل بانتقادهم عليها لكنه لا يفعل مع البعض الآخر، يؤدي واجباته
الأخلاقية مع البعض ويقصر مع البعض الآخر، ما يجعل وجود الضمير لا يشكل أي عائق لارتكاب الأخطاء والخطايا.
وبالرغم من
كافة مزاعم تحليلات السلوك الأخلاقي ضمن المنظور التطوري، إلا أن الضمير والأخلاق والقيم والمبادئ الفاضلة التي أُدرِكَت واتبعت مذ تمت تربية البشرية وتعليمها وتزكيتها، ستظل ثابتة غير متغيرة وغير قابلة للتجزئة وغير قابلة لأن تدخل نطاق الانتقائية التي غالباً ما تحكم اليوم. ستظل الفضائل فضائل والرذائل رذائل إلى أن يرث الله الأرض بما عليها.
كذلك،
وبالرغم من أن الحكمة ستظل أسهل ما نقول والالتزام بها أصعب ما نطول، لكن الضمائر الصحاح
ستبقى أصدق شهادة من الألسن الفصاح، والضمائر الانتقائية ستبقى دليلاً على الزيف
الأخلاقي الذي يبرهن على قيمة الأخلاق الصحيحة. غاية القول: "احكم بضميرك لا برأيك"، فـ "إذا أتاك
أحد الخصمين وقد فُقِئَتْ عينه فلا تقض له حتى يأتيك خصمه فلعله قد فُقِئَتْ عيناه"،
و"وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى"، فـ "لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس".
Comments
Post a Comment